مفهوم العالمية عند الموسيقار منير بشير

الثورة أون لاين- علي الأحمد:

في الثامن والعشرين من أيلول من عام 1997 كتب منير بشير آخر “نوته” إبداعية في مسيرته الغنية، ورحل تاركاً لنا كل الجمال والسحر وبعض من خيبات الأمل المريرة. هنا تحية ووفاء لذكراه لابسبب الغياب بل الحضور الدائم المضيء.
لعل قراءة متأنية واعية، لمسيرة عازف العود الكبير “منير بشير” تعطينا فكرة وافية وعميقة، عن الدور الذي قام به هذا الفنان المبدع بحق، نحو آلته الجميلة التي طالتها يد الإهمال والتغييب، بسبب سطوة الغناء العربي الطربي، على الحياة الموسيقية العربية، فأعاد لها مكانتها المسلوبة، بعد رحلة كفاح مريرة، خاض من خلالها “معارك” موسيقية وفكرية بكل ماتحمل الكلمة من معنى ودلالات، مع “الرجعية الموسيقية المحافظة، كما بطبيعة الحال، مع موجات التغريب والتهجين والتقليد التي سادت آواخر القرن الماضي الذي كان منير بشير شاهداً على مرارتها وقسوتها وتخلفها المقنّع بأقنعة الحداثة والتجديد المتطرف.
لقد خاض منير بشير معركته وحيداً ” كدونكيشوت” معاصر، أراد أن يعيد الإعتبار لموسيقاه العربية المُضيّعة، التي كثر فيها الأدعياء والمهرجين، ولهذا حاربه الكثيرين، وأطلقوا حملات مغرضة ضد فنه وآراءه ومكانته المرموقة، التي حازها بالعلم والمعرفة بعد الموهبة الخلاقة التي امتلكها عن جدارة واستحقاق. صحيح أن معركته الموسيقية هذه، خرج فيها منتصراً، لكنها بالمقابل أصابت روحه بكثير من الجروح الدامية والندبات العميقة التي لم يمحوها الزمن، لأنها جاءت ممن يفترض أنهم ينتمون الى هذا الفن الأصيل العريق، خاصة بعد أن قدّره الغرب ومنحه كل النجاح والمكانة التي وصل اليها كما أسلفنا عبر ارتحالات معرفية وثقافية أثبت فيها مقدرته الفنية العالية وثقافته الموسوعية التي لاتضاهى.
ودائما كانت مقولة “مزمار الحي لايطرب” تطارده أينماحل في البلدان العربية، حتى في بلده العراق الذي اعترف فيه وبفنه الابداعي متأخراً. بعد أن اعترف به الغرب الأوربي وغيره من بلدان، لقد كان يحارب على أكثر من جهة، فكيف لفنان ثائر ومتمرد أن يوقظ مجتمعا متخلفت موسيقياً قَبِل طواعية أن يكون تابعاً للآخر الغربي، بدل أن يكون مبدعاً خلاقاً، خاصة أنه يمتلك تراثاً هائلاً من التقاليد الموسيقية العظيمة، وكيف يعيد الذائقة المسلوبة التي غيّبتها نتاجات التقليد والتهجين التي سادت وقتها، بالرغم من صرخات المؤتمرين وحكماء هذا الفن، ممن انضووا تحت راية مؤتمرات الموسيقى العربية ومؤتمرات المجمع العربي للموسيقى الذي كان منير بشير أحد المساهمين في تأسيسه رفقة مجموعة من خيرة الأكاديمين والعلماء الأفاضل حيث تبوأ فيه منصب أمين المجمع وقدم عبره محاضرات وحوارات مستفيضة عن واقع موسيقانا العربية والحلول الممكنة في إنقاذ مايمكن إنقاذه بعد أن انحرفت عن مسارها الابداعي لظروف اجتماعية وسياسية بالغة التعقيد. لم يتوانى هذا الفنان الأصيل في الدفاع عن ميراثها الروحي وعن إرثها الإبداعي الناجز المكتمل وبقي حتى آواخر أيامه خير سفير لها، لهويتها الثقافية وموقعها المهم في ثقافات العالم.

-كان يرى مفهوم العالمية مفهوما ضبابياً. خاصة لدى ممن أصابتهم لوثة التغريب، ممن قبلوا صاغرين الإتباع لا الإبداع كأقصر الطرق للوصول الى العالمية الموهومة المزعومة، لكنه كان يرى ببصيرته النافذة، أن أقصر الطرق للوصول الى العالمية بمفهومها الثقافي العميق، لابد من أن ينطلق من الداخل من الهوية الوطنية، وليس استيرادا جاهزاً من الخارج شأن الموضات المستوردة العابرة، كان يرى مستقبل الموسيقى العربية مرهوناً بالعلم والمعرفة والاستفادة العقلانية من منجز الغرب الكلاسيكي وليس التجاري وإلباس موسيقانا بلباس التكنولوجيا المتقدمة مما يفضي الى القضاء على روحها وروحيتها ومزاجها التلحيني المائز، وقد أثبت الزمن مدى عقلانية وصوابية رأي ورؤية هذا الفنان المستنير الذي فعل بعوده مالم يستطع أحد من الموسيقيين العرب على تحقيق جزء يسير مما أحدثه في الغرب أولاً الذي منحه الشهادات والأوسمة وحتى مفاتيح المدن التي أمَها متأبطاً عوده الصغير الذي شهد على يديه نجاحات منقطعة النظير، حيث تعرفت هذه البلدان على إمكانات مذهلة في التعبير والارتجال الموسيقى الذي كان فيه منير بشير استاذه الكبير بما امتلك من فكر وثقافة وخزين معرفي مكنّه لأن يصبح من أهم العازفين في العالم تشهد على ذلك حفلاته الخالدة، في جنيف وباريس وامستردام وغيرها من بلدان. إذاً، لم تكن العالمية برأي هذا الفنان، إلا تأكيداً لمقولة الأديب والشاعرالعظيم “غوته” في أن الفن هو ارتحال نحو الآخر ” وقد تمثلها هذا المبدع قولاً وفعلاً عبر تقديمه تراث موسيقاه التي انتمى لها روحياً ووجدانياً لهذا الآخر المغاير الذي كان يرى في الموسيقى العربية كل التخلف والجمود والتكلس الفكري المزمن، لقد قلب كل هذه المفاهيم رأساً على عقب بموهبته وحضوره المشع، لأنه ببساطة امتلك أدواته المعرفيةومشروعه الموسيقي الواعد،

فأينماحل وارتحل، كان يدافع عن قيم وجمالية موسيقاه العربية، بكل صبر وأناة، وفكر ثاقب، وموهبة خلاقة جعلت منير بشير الفنان الأكثر اعتزازا بموسيقاه والأكثر حضورا في مجرى ومسرى الثقافة العالمية، لأنه كان متجذراً في تربته الموسيقية الوطنية، باحثاً عن عشبة خلوده بفنه وموسيقى عوده الساحر، الذي اجترح له رنينية خاصة ومتمردة عن السائد الذي هيمن عبر عقود على مكانها ومكانتها حيث انزوت خلف المغني على استحياء تعيد آهاته بشكل أقرب الى الميكانيكية، الى جاء هذا الفنان ومن قبله الكبير الآخر “جميل بشير” وباقي فرسان مدرسة بغداد للعود التي أسسها الشريف “محي الدين حيدر” ومن خلالها كانت موسيقانا العربية على موعد جديد مع كتابة مغايرة، لتاريخ الابداع والجمال عبر أنامل وفكر هذا المبدع، سليل الحضارات الباذخة، التي قامت واستوطنت الأرض العربية، ليكتب من وحيها، حضوره المضيء كواحد من العلامات المشعة في موسيقانا العربية، الذي ملأ أسماعنا وأغنى ذائقتنا ولايزال.

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة