الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
كان ينبغي أن يكون قرار روسيا بإنهاء الارتباط الدبلوماسي مع الناتو قراراً خالياً من الأحداث، فقد رفعت موسكو الرهان المسبق وردت على قرار الناتو بطرد عدد من الضباط العسكريين الروس العاملين في مهمة موسكو إلى الحلف الأطلسي وخفض حجم المهمة إلى النصف، وقامت بتعليق علاقاتها مع الناتو حيث استدعت موظفي بعثتها من بروكسل، وأمرت ضباط ارتباط الناتو المتمركزين في موسكو بالمغادرة، وطالبت بإغلاق مكتب الإعلام التابع للناتو.
كان من الممكن أن يبدو الأمر مقلقاً، إلا أن العلاقة كانت قد قطعت بحكم الأمر الواقع قبل سبع سنوات في أعقاب الأزمة الأوكرانية، فمنذ ذلك الحين، عاد الناتو بالكامل إلى مهمته الأولية في “ردع روسيا”.
في غضون ذلك كان لدى الضباط الروس وحلف شمال الأطلسي وصول محدود للغاية إلى كبار المسؤولين على الجانب الآخر، ولم تكن هناك معاملات جادة على هذا المستوى، وهكذا تم تعليق العلاقات بين روسيا والناتو قبل وقت طويل من اختفائها فعلياً.
وعلى الرغم من أن الناتو وروسيا لم يعد لديهما تمثيل دبلوماسي لبعضهما البعض، فإن هذا لا يعني أن جميع الاتصالات قد قطعت، فمازالت روسيا تحتفظ بسفارة في بروكسل “بلجيكا “، (وبعثة إلى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنها ليست ذات صلة بهذا الغرض)، كما تحتفظ جميع دول الناتو بسفاراتها في موسكو.
والقانون التأسيسي الذي يحكم العلاقات الثنائية بين روسيا والناتو، رغم أنه من الواضح أنه من بقايا حقبة مختلفة لايزال ساري المفعول، ولا شيء يمنع التواصل على المستوى الدبلوماسي إذا دعت الحاجة، والأهم من ذلك أن الاتصالات العسكرية لاتزال ممكنة. فالقائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا (SACEUR) يمتلك خطاً مباشراً مع رئيس الأركان العامة الروسي (CGS)، ويلتقيان شخصياً من وقت لآخر في مكان محايد.
وبالتالي فإن تعليق العلاقات الذي يرمز للمواجهة العميقة بين الهيكلين العسكريين الرئيسيين في أوروبا، لا يرقى في الواقع إلى أزمة جديدة. كما أنه لا يقلل مادياً من قدرة الجانبين على التعامل مع الحوادث والتطورات التي يمكن أن تؤدي عن غير قصد إلى تصادم مباشر.
أما وجهة النظر الروسية تجاه الناتو، فهو يعني تقليدياً، وقبل كل شيء، منصة للوجود العسكري الأمريكي في أوروبا. ففي فترة ما بعد الحرب الباردة للشراكة بين الناتو وروسيا والتعاون المرتبط بها، تم توسيع هذه الرؤية لتشمل الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة الذين أصبحوا أيضاً شركاء لروسيا.
لكن الوضع تغير مرة أخرى مع عودة المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث يسلط رد روسيا الدبلوماسي على خطوة التحالف، الضوء على الاقتناع المتزايد بين صانعي السياسة ومستشاريهم في موسكو بأنه في بيئة المواجهة القاسية، ليس من المنطقي التحدث إلى الوكلاء.
ومن هذا المنظور، فإن الكثير من البنية التحتية البيروقراطية الدولية لحلف الناتو، بما في ذلك دور الأمين العام، الذي تشغله شخصية أوروبية، هي مجرد نافذة للهيمنة الكاملة للولايات المتحدة في الحلف. وبالتالي لماذا تقضي روسيا وقتاً على التحدث مع المرؤوسين؟ فعندما يحتاج المرء إلى التحدث، فليجري التحدث مباشرة إلى الرئيس.
قد يتوقف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن لقاء الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، لكن الخط بين CGS و SACEUR، وهو جنرال أمريكي، لن يتم قطعه من قبل أي من الجانبين، وإذا كانت هناك مواجهة فيجب إدارتها بشكل جيد.
ولكن لا ينطبق هذا النهج حصرياً على الناتو، فقد كشف لافروف مؤخراً أنه قبل بضع سنوات عرضت موسكو من خلال وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري، دعوة واشنطن للانضمام إلى صيغة نورماندي (سلسلة من المفاوضات تشمل فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا) لتنفيذ اتفاقية مينسك بشأن دونباس. كان المنطق الروسي هو أن الولايات المتحدة، وليس الشركاء الأوروبيين، هي التي تمارس التأثير الأكبر في كييف، لذلك كان على الولايات المتحدة أن تكون على الطاولة إذا أريد تحقيق أي شيء.
من الواضح أن كيري كان منفتحاً على الفكرة، لكن برلين وباريس عارضتا بشكل مطلق. وفي نهاية المطاف، بعد أن خلص الكرملين إلى أن التحدث إلى كييف لا معنى له وأن صيغة نورماندي غير كافية حقاً، قام بإشراك واشنطن في حوار حول أوكرانيا.
تتبع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حالياً سياسة تعزيز التحالفات الأمريكية، والحلفاء على استعداد لإتباع الزعيم بعد أربع سنوات من الفوضى في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وفي هذا السياق، فإن الحجة الداعية إلى تبسيط موسكو الدبلوماسي مقنعة جداً.
المصدر: Anti-Empire
