الثورة أون لاين – د. مازن سليم خضور:
كلنا نسمع أن هناك شريعة تسمى “شريعة الغاب” وفيها القوي يأكل الضعيف وبالتالي هي عبارة عن حالة دموية ووحشية.. لكن هذه الصورة لم تصل إلينا في طفولتنا هكذا!.
فتى الأدغال “ماوكلي” نقل لنا صورة مختلفة حتى عن الغابة، قدم لنا فكرة أن الجماعة تحمي الفرد وأن هناك الخير وهناك الشر وحتى أن الضرر الأكبر على الغابة كان من “بني الإنسان” وأن لهذه الغابة قانونا ونظاما يوضحه العمل منذ شارة البداية: ” في الغَابَةِ قانُونٌ يَسرِي فِي كُلِّ زَمَانْ، قَانُونٌ لَمْ يَفْهَمْ مَغْزَاهُ بَنُو الإنْسَانْ، سَاعِد غَيرَكَ لو تَدري، ما مَعنَى حُبُّ الغَيْرِ، ما أجْمَلَ أن تَحيا فِي الأرضِ بِلا نُكرَانْ”.
نُلاحظ أن محتوى هذه الأغاني ، مبني على رسالٍة تربوية هادفة وموجهة للأطفال كي ترسخ في أذهانهم بشكل مدروس ومنتظم.
لكن واقع اليوم مختلف تماماً بشكل عبثي وقد لا يكون كذلك، فقد يكون مدروساً بهدف خلق هذه العبثية القائمة على ضرب أسس تربوية كثيرة أولها “العائلة”.
بينما كنت أجلس مع طفلتي “لينا” خلال اللعب، أردت أن أتابع معها أحد البرامج الكرتونية.
بحثت في لائحة البرامج وإذ يظهر لي صورة لأحد البرامج ودون أن أشعر بدأت أغني مع شارة البداية والابتسامة بدت واضحة على وجهي وبدأت أتمتم ما أحلى أن نعيش في حب وسلام، كانت تلك شارة المسلسل الكرتوني “سنان” ذلك العاشق للحب والسلام صاحب الخير والذي يحن لوجه أمه الذي فارقته ويساعد الأصدقاء في عالم يوجد فيه الخير والشر، ضمن دعوة مفتوحة للحب والسلام تبدأ مع الشارة وتستمر ضمن مضمون الحلقات .
لم يكن هذا هو البرنامج الوحيد الهادف والممتع في تلك الفترة “التسعينات” حيث أشكال الأشخاص جميلة والشارات أجمل والمضمون له هدف والأمثلة كثيرة ومنها على سبيل المثال “مدرسة الكونفو” الذي يدعو للرياضات القتالية ولكن في مجال الخير والدفاع عن النفس وكذلك “الكابتن ماجد” و”رابح” و” الصياد الصغير” وحتى أفلام الخيال حينها ك”الرجل الحديدي” كان هناك غزاة لكنهم وظفوا لإظهار كيف تتم المواجهة و الدفاع عن الكوكب .
شكلت برامج الأطفال مكانةً مهمة على الشاشات العربية في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات ومع التطور الكبير في مجال الفضائيات وظهور التخصص عمدت العديد من المحطات التلفزيونية بالتخصص في مجال الأطفال فقط وأصبح هناك باقة كاملة لهم مثل “سبيستون” و”ماجد” و”براعم” و”طيور الجنة” وغيرها من القنوات الفضائية الأخرى.
تساهم أفلام الكرتون بتوجيه الطفل، و هذا ما يستدعي من الأهل مراقبة نوعية المواد التلفزيونية التي يتابعونها، لاسيما أنها تكسب الطفل المعارف والخبرات والمهارات والآداب وهو في سن صغيرة، وتعمل على تنمية خياله وتغذية قدراته، وتجعله يفكر بأساليب مبتكرة.
خاصة أنه مع هذا التطور الكبير في صناعة الرسوم المتحركة وسهولة إنتاجها لتصبح واحدة من أسهل التجارات المربحة خارج الضوابط التي كانت تُفرضها سوق صناعة الرسوم المتحركة في الثمانينات و التسعينات، يكفي اليوم أن تمتلك قناة على “اليوتيوب” و جهاز “كمببوتر و كاميرا بمواصفات جيدة” حتى تدخل أحد أكثر الأسواق ربحاً اليوم في مواجهة زبون واحد.. “طفلك”!.
المشكلة الأكبر هي في اختلاف نوعية ما يقدم حتى على شاشات التلفاز، من حيث الشكل والمضمون فهناك فارق كبير بين ما كان يعرض سابقاً وما يعرض الآن!.
على سبيل المثال قصة مسلسل “ساندي بل” تلك الفتاة الصغيرة التي تعيش في “اسكتلندا” مع والدها الذي يربيها بمساعدة جيرانه، ووالد ساندي الذي رباها دائماً يحاول أن يجعل ابنته “ساندي بل” سعيدة في الحياة، وهو يحبها كثيراً، وتعني له كل شيء، بينما يعكس برنامج ” عالم غامبول المدهش” وهو واحد من مواد كرتونية كثيرة تنتج الآن، صورة معاكسة تماما اتجاه “العائلة”.
المسلسل الذي يحوي على ألفاظ لا تناسب فئة الأطفال وكذلك التصرفات والأفكار المقدمة، يعمل على تقديم صورة “الأب” بشكلٍ سيىء، عن طريق جعله غبياً جداً ويظهر علاقة عدم الاحترام للوالدين ضمن قائمة أعمال تطول، ومنها و”تشام تشام” و”بيدامان” و”العم جدو” طبعاً ذاك لا يعني أنه و في الوقت الحاضر لا توجد برامج جميلة وهادفة، ولكن كنسبة وتناسب فالعدد قليل بشكل يمكن وصفه بالمقلق.
بالإضافة إلى أن البرامج الجديدة التي بمعظمها تحوي أشكالا غير “سوية” كالشخص بمجموعة أرجل وعين واحدة، أو دون أيد، والأغلب كلها تدعوا للعنف والقتال.
حتى أنه في الفترة السابقة، كان هناك مسلسلات تلفزيونية خاصة بالأطفال وتقدم لهم الفائدة والمتعة بنفس الوقت، تحتوي أغاني مفيدة ولها هدف ومثال ذلك برنامج “افتح يا سمسم” الذي يعد برنامجا تعليميا تربويا ترفيهيا بنفس الوقت.
بينما نشاهد الآن إحدى القنوات المختصة بمجال الأطفال تبث أغنية بعنوان “الخدامة” ويظهر الفيديو فتاة صغيرة تغني وتشتكي من العاملة المنزلية في بيتها، التي تستمر بخلق الأعذار لتفادي العمل قائلة: “عندنا خدامة كل يوم تعمل موال مرة مو حابة تشتغل، مرة جيبولي جوال”، إذ اعتبر كثيرون أن الأغنية، والتي أطلق عليها “الخدامة”، “تحض على الكراهية” ضد العاملات المنزليات وتصورهم بشكل “مهين وعنصري”؟.
سابقا تناولنا في سلسلة الحرب الأخرى موضوع الدراما وتأثيرها هذا على الأفراد فما بالك على الأطفال.
لقد بات واضحاً أن التلفزيون يؤثر في كل المستويات البشرية، ولكنه يختلف من مرحلة إلى أخرى، وهو أشد ما يكون تأثيراً على الأطفال، حيث فيهم الاستعداد الأكبر لتلقي أي فكرةَ، الطفولة واحدة من أهم المراحل التي یمرُّ بها الإنسان، حیث یتعلم خلالها المعارف ویكتسِب فيها الخبرات، و تشكل السنوات الست الأولى منها الأكثر أهمية في تشكيل وجدانه العقلي، وتطوير نموه الإدراكي ولا يخفى ما لبرامج الأطفال من أثر على تشكيل شخصيات الأطفال وبناء هوياتهم وتوجيه سلوكهم، بسبب عوامل التشويق وجذب وشد الانتباه، ما يفرض على الأهل الحذر و مراقبة حالة قد تمثل خطراً كبيراً على حياة ومستقبل طفلهم، إن لم يراع الأهل وقت متابعته لها وما هب النوعية المقدمة من خلال رصد ما يتابعه و بشكل دائم.
وبالرغم من أن الأخطار التي تحيط بالأطفال لا تنحصر بالبرامج الكرتونية لاسيما في التطور الهائل في وسائل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي إلا أن القدرة على المراقبة في برامج الأطفال يساهم في الحد من هذه الأخطار حيث يشدد الخبراء على ضرورة عدم مشاهدة الأطفال لأفلام كرتون فيها عنف ورعب، إضافة إلى أن بعض أفلام الكرتون تكون موجهة وتحمل معتقدات وأفكاراً غير مقبولة ولابد من المراقبة والسعي لإيجاد البدائل المناسبة والمفيدة لأطفالنا، هذه البدائل تكون مناسبة لأعمارهم ، ومهاراتهم وقدراتهم، و العمل على تخصيص الوقت الكافي لهم، ما يفرض بالضرورة أهمية التشديد على الاهتمام بالأطفال كبنية أساسية للمجتمع، حيث تشكِّل رعايةُ الطفولة وحمايتُها الخطوة الأساس لبناء الأسرة والمجتمع.. يقال:
“بناءُ طفلٍ.. خيرٌ من إصلاح إنسان”.