الأوجاع المؤجلة.. حين يتحوّل الصبر إلى خطر

الثورة- سمر حمامة:

في مجتمعنا تتكرّر يومياً عبارات مثل لا بأس، مجرد إرهاق، سأتجاوز الألم بالصبر، الألم سيزول وحده.

هذه الجمل التي تبدو بسيطة تحمل في طياتها خطورة خفية: فهي قد تكون بداية مشاكل صحية كبيرة أحياناً يصعب علاجها لاحقاً.

ففي الوقت الذي يُشاد فيه بالصبر والتحمل، يغفل كثيرون أنّ تحمّل الألم بلا تشخيص طبي هو مجازفة كبيرة، قد تكلف الجسم صحته وربما حياته.

الألم ليس عقوبة يجب تحملها، بل رسالة من الجسم تشير إلى خلل يحتاج إلى التدخل.

ولمعرفة سبب إهمال الألم وتحويله إلى اختبار للصبر، قمنا بالتحدث لأشخاص لهم تجربة مع إهمال الألم لمعرفة أسباب هذا التجاهل.

تجارب شخصية مع الألم المؤجل

يقول السيد سليمان: بدأت أشعر بآلام خفيفة في صدري بعد يوم عمل طويل.

قلت لنفسي: إرهاق فقط، وسوف يزول.

استخدمت المسكنات بشكل مستمر من دون أن أراجع الطبيب.

بعد ثلاثة أشهر، أصبت بأزمة قلبية، حينها اكتشف الأطباء انسدادين في شرايين القلب.

سألوني: لماذا لم أراجع الطبيب في وقت مبكر؟ لم أجد جواباً سوى: كنت أظن أنّي سأتحمّل.

أما إيمان فتروي قصتها مع الألم: كنت أعاني من آلام معدة متكررة، وظننت أنّها بسبب التوتر وضغط العمل، تجاهلت الأمر لفترة طويلة، ثم قررت إجراء فحص واحد، اكتشفوا جرثومة المعدة، صُدمت من سهولة التشخيص وصعوبة الإهمال.

هذا جعلني أدرك أنّ التأجيل قد يحوّل مشكلة بسيطة إلى خطيرة.

السيد محمد قال أحياناً أشعر بألم بسيط في الظهر أو الرقبة، وأخفي الأمر عن أسرتي كي لا أقلقهم، وأقول لنفسي: سيمرّ.

لكن الألم لم يزُل، وأصبح جزءاً من حياتي اليومية.. الإخفاء كان يزيد القلق أكثر من الألم نفسه.

تجارب هؤلاء تكشف نمطاً مشتركاً: تحمّل الألم، الاعتقاد بأنّه مؤقت، ثم مواجهة النتائج التي قد تكون مهددة للحياة أو طويلة العلاج.

الطبيب تيسير الصالح- اختصاصي داخلية، أكد لنا أن: الألم ليس اختباراً للقوة أو الصبر، بل هو إشارة طبيعية من الجسم تقول: هناك خلل يجب اكتشافه.

كثيرون يعتبرون الألم مجرد مضايقة يمكن تجاوزها بالمسكنات، وهذا خطأ كبير.

نصف حالات الجلطات تصل متأخرة بسبب هذا المفهوم، ونصف حالات قرح المعدة كانت في بدايتها مجرد حرقة بسيطة لم يُعَرَّف سببها.

ويضيف:أي ألم مستمر أكثر من 48 – 72 ساعة، ولم يكن مرتبطاً بحادث أو إجهاد معروف، يجب مراجعة الطبيب فوراً. حتى الآلام البسيطة يمكن أن تتحول إلى مشاكل مزمنة إذا تجاهلناها.

كما يشير إلى أنّ الثقافة المجتمعية تلعب دوراً كبيراً، فنحن نحتفي بالصبر كقيمة أخلاقية، وننظر إلى مراجعة الطبيب على أنها ضعف أو هدر للوقت.

هذا غير صحيح، مراجعة الطبيب في الوقت المناسب هي حماية للصحة وللأسرة أيضاً.

لافتاً إلى أن انتشار ظاهرة تجاهل الألم تعود إلى الخوف من التشخيص، كثيرون يفضلون التجاهل على مواجهة حقيقة مرضية قد تكون مزمنة أو خطيرة.

انشغال الحياة اليومية، بالعمل والالتزامات الأسرية تجعل الناس يؤجلون مراجعة الطبيب، ناهيك عن الثقة بالمسكنات، إذ يظن البعض أنّ المسكنات تحل المشكلة، بينما هي مجرد تخفيف للأعراض وليس علاجاً.

وحول ثقافة التحمل، بيّن الدكتور الصالحان أن هناك اعتقاداً راسخاً بأن التحمل قيمة، وأن الشكوى ضعف.

والتطبيع مع الألم أحياناً يصبح فيه الألم جزءاً من الحياة اليومية، فيتجاهله الشخص تماماً.

وأضاف، يمكن أن نقول إن الوضع المادي يلعب دوراً كبيراً، إن لم يكن أساسياً في تجاهل الألم فالخوف من كشفية الطبيب والفحوصات والتحاليل والعلاج كلها ذات كلفة عالية تفوق قدرة أصحاب الدخل المحدود.

الدكتور الصالح أوضح أن أهمية الوعي الصحي هي الحل الأهم لمواجهة هذه الظاهرة، من حيث معرفة الجسم والإنصات إليه وعدم تأجيل الفحوصات واستشارة المختصين في وقت مبكر كلها خطوات تقلل المخاطر بشكل كبير، كما أنّ تعزيز ثقافة الوقاية والفحص الدوري لا يقل أهمية عن علاج الأمراض بعد ظهورها، كما أن اكتشاف الأمراض في مراحلها المبكرة يمكن أن يكون الفرق بين العلاج السهل والمضاعفات المزمنة أو الموت المفاجئ، تحمل الألم ليس شرفاً، والصبر لا يعني الإهمال.

الإشارة العصبية التي يرسلها الجسم هي رسالة واضحة: انتباه، هناك خلل، تجاهلها قد يكون أخطر أنواع الصبر، لأنه يحوّل الألم من علامة إنذار إلى كارثة صحية.

لذلك، يجب أن نتبنى وعياً جديداً: الألم ليس شيئاً يجب تحمله بصمت، بل يجب الاستماع إليه وفهمه.

المراجعة الطبية ليست رفاهية، بل حماية للحياة، فالأمراض لا تنتظر، ولا يصبر الجسم بلا نهاية.

لا تؤجل ألمك، استمع له قبل أن يتحول إلى أزمة.

آخر الأخبار
وفد روسي ضخم في دمشق.. قراءة في التحول الاستراتيجي للعلاقات السورية–الروسية وزير الخارجية الشيباني: سوريا لن تكون مصدر تهديد للصين زيارة الشرع إلى المركزي.. تطوير القطاع المصرفي ركيزة للنمو المؤتمر الدولي للعلاج الفيزيائي "نُحرّك الحياة من جديد" بحمص مناقشة أول رسالة ماجستير بكلية الطب البشري بعد التحرير خطة إصلاحية في "تربية درعا" بمشاركة سوريا.. ورشة إقليمية لتعزيز تقدير المخاطر الزلزالية في الجزائر    السعودية تسلّم سوريا أوّل شحنة من المنحة النفطية تحول دبلوماسي كبير.. كيف غيّرت سوريا موقعها بعد عام من التحرير؟ سوريا تشارك في القاهرة بمناقشات عربية لتطوير آليات مكافحة الجرائم الإلكترونية جمعية أمراض الهضم: نقص التجهيزات يعوق تحسين الخدمة الطبية هيئة التخطيط وصندوق السكان.. نحو منظومة بيانات متكاملة "أتمتة" السجلات العقارية.. هل تحمي الملكيات وتمنع الاحتيال؟ متري إلى دمشق.. علاقاتٌ تعود إلى مسارها الطبيعي بعد طيّ صفحة الأسد المخلوع نساء سوريات يصفن الرعب الذي تعرضن له في سجون الأسد المخلوع "مرور حمص" يبرر منع وصول السرافيس إلى المدينة الجامعية كيف نضمن اختيار المنظومة الشمسية ونتجنّب غش الدخلاء؟ هل نجحت سوريا في اقتصاد السوق الحر؟ بعد عام على التحرير.. سوريا تفتح أبوابها للعالم في تحوّل دبلوماسي كبير " متلازمة الناجي".. جرح خفي وعاطفة إنسانية عميقة