الثورة – جودي يوسف:
منذ دخول الرئيس أحمد الشرع، إلى قصر الشعب في دمشق، يواصل لبنان وسوريا خطوات متسارعة لتجاوز المرحلة السابقة بكل إرثها السياسي والأمني، والانطلاق نحو مرحلة جديدة عمادها التعاون المؤسساتي وضبط الملفات المشتركة، بما يضمن استقرار البلدين. وفيما قد عبر المسؤولون في بيروت، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، إلى جانب القوى السياسية، عن استعداد واضح لفتح صفحة جديدة مع دمشق.
وفي هذا الإطار، حُدد موعد لزيارة مرتقبة لنائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، طارق متري، إلى دمشق خلال الأيام المقبلة، للقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، بالإضافة إلى عدد من الوزراء، بينهم وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الداخلية أنس خطاب، ووزير العدل مظهر الويس، وعدد من المسؤولين، بهدف بحث سلسلة من الملفات العالقة، والسعي لإيجاد حلول سريعة لها لدفع مسار التفاهمات ومعالجة الثغرات بين البلدين.
وتأتي هذه الزيارة استكمالًا لسلسلة اجتماعات عُقدت في بيروت ودمشق خلال الأسابيع الماضية، وتناولت ملفات أمنية وقضائية، وفتحت الباب أمام نقاش جدي حول ترسيم الحدود.
وفي 11 كانون الثاني/يناير 2025، عقد الرئيس أحمد الشرع مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا مع رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، في قصر الشعب، أكد فيه رغبة دمشق في بناء علاقة جديدة قائمة على احترام سيادة البلدين، ومعالجة الملفات العالقة، بما فيها مسألة التهريب والودائع السورية في المصارف اللبنانية. كما شدد ميقاتي على أن تعزيز العلاقات بين بيروت ودمشق يجب أن يقوم على الثوابت الوطنية لكل دولة.
وفي أيلول/سبتمبر 2025، زار وزير الدفاع اللبناني، اللواء ميشال منسى، مدينة العُلا السعودية، حيث التقى بوزير الخارجية والمغتربين السوري، أسعد حسن الشيباني، وتناول اللقاء آفاق التعاون الأمني والعسكري، إضافة إلى التشديد على تشكيل لجان قانونية مختصة لوضع آلية واضحة لاستكمال العمل.
وكانت الموفدة الفرنسية، آن كلير لوجندر، قد عرضت على المسؤولين اللبنانيين مبادرة تتضمن تقديم خرائط تعود لمرحلة الانتداب الفرنسي، في إطار استعداد فرنسي لعقد اجتماع تقني يجمع وفدين من لبنان وسوريا للاطلاع على الوثائق التاريخية قبل البدء بخطوات الترسيم. ويمتد الشريط الحدودي بين البلدين لنحو 375 كيلومترًا، من مزارع شبعا جنوبًا وصولًا إلى سواحل عكار شمالًا، ما يجعل ترسيمه خطوة مفصلية لجهة تثبيت الحدود المعترف بها دوليًا بين الدولتين.
ويعود التشابك الحدودي إلى حقبة ما قبل الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، حين كانت الأراضي السورية واللبنانية ضمن وحدة إدارية واحدة، وهو ما أبقى نقاطًا خلافية لم تُعالَج خلال حكم الأسد المخلوع. ويُنظر إلى ملف الترسيم كمدخل لحل النزاعات المتراكمة بين الدولتين، ومنع أي توترات مستقبلية قد تطيح بمسار التقارب القائم.
وعلى الرغم من التنسيق الواسع بين البلدين على مختلف المستويات، لم يُعتمد التمثيل الدبلوماسي الرسمي إلا عام 2008، حين فُتحت السفارات للمرة الأولى بين بيروت ودمشق. وقبل ذلك، كانت العلاقات تُدار عبر قنوات سياسية وأمنية بعيدة عن الأطر الدبلوماسية التقليدية، واستمر الأمر كذلك حتى هروب بشار الأسد إلى موسكو.