الملحق الثقافي:ميثاء محمود:
رغم تعلّقه الشديد بأرض بلاده، لكنه كان يطمح إلى إزالة الحدود والفوارق بين البشر، ساعياً من خلال طموحه هذا، لأن يكون مواطناً عالميّاً، يجوب أنحاء الأرض، كي يدعو للحبّ والإنسانيّة، وقد عبّر عن ذلك من خلال أعماله وأقواله: «الأرضُ كلّها وطني، والعائلة البشريّة عشيرتي، لأنّي وجدتُ الإنسان ضعيفاً، ومن الصّغرِ أن ينقسم على ذاته، والأرض ضيّقة ومن الجهل أن تتجزأ إلى ممالك وإمارات».
إنه الأديب والشاعر اللبناني «جبران خليل جبران» الذي قد تكون هجرته، وهو في سنٍّ صغيرة عن وطنه، هي السبب الذي دفعه إلى التفكير، بأن يكون رسول الحبّ الذي وجد فيه قيمة وناموس، استمدّ منهما خلاصة للحكمةِ التي جعلته يحبّ كلّ أقاصي الأرض، كما يحبّ أرضه ووطنه ومسقط رأسه، ولأنها برأيه: «مرتعُ الإنسانيّة، وروح الألوهيّة على الأرض».
هذه الحكمة، هي ما جعلت منه مفكّراً سائحاً، بل وملّاحاً يتنقّل من إبداعٍ إلى آخر، ليبشّر بجدوى الحياة الذي فاض بها قلمه: «إنني سائح، وملّاحٌ في وقتٍ واحد، وفي كلّ صباح أكتشف قارة جديدة في نفسي»..
اكتشافه الفلسفيّ العميق والحكيم هذا، لم يكن لأنه الفيلسوف والرسام والنحّات والكاتب الإنساني فقط، بل ولأنه أيضاً، الشّاعر الذي يلتقط حفنة من الرمل، وقبضة من الزبد، ويعجنهما بكلماته وعصارة روحه، ليبدع بعدها شعراً كان يراه: «كمٌّ من الفرح والألم والعجب، مع نزرٍ مما ورد في المعاجم».
من هنا، ولأن الشّعر فنٌّ، وفنّ الشّعر في كونه قادراً على جعلِ كلّ من يسمعه، يُطرب له حتى وإن كان حزيناً، فقد أنشده «جبران» كما أنشده بلبلهُ الذي وجدهُ «يحزُّ صدره بشوكةٍ، حين يغنّي أغنية الحبّ».
هي الحقيقة التي لا يكتشفها إلا من عاش فرحاً قليلاً، وحزناً عميقاً.. الحقيقة التي تدفع الإنسان المبدع للجنون العبقري.. للحياة عقلاً وفكراً وإبداعاً، يدعوا من خلالهما، إلى حياةٍ شاعرة ومفعمة بالمحبّة والسلام الإنساني.
«أنتَ أخي.. وأنا أحبّك.. أنت وأنا أبناء دينٍ واحد هو الروح.. أستمع إليك حاسباً صوتك صوتي، وأقف أمامك كأنني أقف أمام مرآة»..
التاريخ: الثلاثاء2-11-2021
رقم العدد :1070