الملحق الثقافي:عبد الحكيم مرزوق:
أصدر الشاعرُ المهجري «نبيه سلامة» ديوانه الوحيد «أَوْتار القلوب» سنةَ 1973، وقد استمرّ في نظم الشعر ونشره، لاسيَّما في جريدة حمص التي كان يعمل مراسِلاً مُعتَمَداً لها حتّى وفاته عام 1994. أي بعدَ حوالي عشرين عاماً، من صدور ديوانه هذا.
هذا العام قام د. «حسان قمحيّة» بجمعِ بقيّة شعر «سلامة» وإصداره كاملاً، وقد أصدر مؤخّراً الديوان الذي طوى بوفاته آخرَ صفحاتِ الأدب الـمَهْجري السُّوري.. فرغم مضيّ نَحْو خمسين عاماً على صدور الديوان القديم، ونحو 30 عاماً على وفاة الشاعر، لم يعمَدْ أحدٌ إلى القيام بهذه المهمّة. لذلك، عاد «قمحيّة» إلى ديوانه المطبوع «أَوْتار القلوب» وأعاد كتابةَ قصائده وضبطها، فقد كان هناك الكثيرُ من الكلمات التي تحتاج إلى ضبطٍ وشرح، ففعل ذلك، ثمَّ استخلص كلَّ ما استطاع الوصولَ إليه من شعره، وقد بلغ عددُ ما أضافه من قصائدٍ إلى الديوان القديم 100 قصيدة «ما بين قصيدة كاملة ومُقطَّعة ونُتْفَة.
يقول د. «قمحية» في المقدمة: «لقد ضبطتُ كلمات القصائد الـمُضافة وذكرتُ مناسباتها وشرحتُ بعضَ مفرداتها. وبعدَ اكتمال الجمع، رتّبتُ القصائدَ القديمة والجديدة بحسبِ القوافي، كما وضعتُ فهرساً لها بحسب البحور، فضلاً عن الفهرس العام. ومن الجدير بالذكر أنّ بعضَ القصائد، سواءٌ في الديوان القديم أو الجديدة عليه، كانت بلا عناوين أو أسماء أشخاص أو مُناسبات، فوضعتُ لها عنواناً من سياقِها»، ويضيف :
«لقد كانت أغراضُ قصائد «سلامة» معبّرةً عن آلام الغربة واليأس والحنين إلى الوطن، فضلاً على الوَصْف والغزل؛ كما رثى بعض الأصدقاء وهنَّأ بعضَهم الآخر. وشغلَت الـمناسباتُ حيِّزاً مهمّاً من شعره، ومنها الوطنيّة والقضيّة الفلسطينية.
تُوفّي «سلامة» في سان باولو بالبرازيل، وأقامت له «عصبةُ الأدب العربي، حفلةً تأبينيَّة كبيرة، في المركز الثقافي السُّوري هناك، وفي أيلول/ سبتمبر سنة 1994 أصدرَ الأستاذ «مِدْحت عكاش» عدداً خاصّاً من مجلَّته «الثقافة» عن الشاعر، وقد رثته الأديبة «نهاد شبّوع» بقولها: «مالت شمسُ الفقيد الغالي إلى المَغيب، بعدَ أن شعَّت خيوطُها وخطوطها، ألواناً في فضاء الوطن وآفاق الانتشار سنواتٍ خَصيبة.. إلى أن انقطعَ آخرُ خيطٍ لها مع الحياة، في شهر كانون الثاني 1994 م»..
أيضاً، قال عنه الأديب د. «عَبْد اللطيف اليُونس»: «شاعرٌ مُتْرَف العاطفة، منطلِق الخيال. وقد وقفَ شعره – أكثر شعره – على الحنين إلى الوطن، والتغنِّي بمناظره الفاتنة، وأمجادِه الخالدة، وروائعِه التي لا حدَّ لها».
ومن اللافت للنظر، أنَّ أهمَّ الكتب التي تحدَّثت عن أدباء المهجر، أهملت ذكرَ «سلامة» تماماً؛ فلا نجد أيَّ إشارة إليه في كتاب «أَدبُنا وأُدَباؤنا في المَهاجِر الأمريكيَّة» لـ «جُورج صيدَح»، ولا «أَدَب الـمَهْجَر» للدُّكْتور «عيسَى النَّاعُوري»، ولا «ذِكْرى الهِجْرة (رسالة الـمُهاجرين السُّوريين واللُّبْنانيين إلى إِخْوانهم الـمُتَخلِّفين – اعْتِرافات وإذاعات)» لـ «تَوْفيق فَضْل الله ضَعُون»، ولا «قصَّة الأدب المَهْجري» للدكتور «محمَّد عبد الـمنعم خفاجي»، رغم أنَّ أصحاب تلك الكُتُب عاصَروا الشاعر.
نظمَ « سَلامة» على 9 بحور شعريَّة فقط، وجاءت قصائدُه في هذا الديوان، حسب الترتيب العددي: الكامل 154 (هَيْمَنَ على شعره)، البسيط 63، الوافر 39، الخفيف 38، الرَّمَل 22، الطويل 9، الـمُتقارِب 7، الرجز 5، الـمُجْتَث 1.. ويُشار إلى أنَّ قصيدتَيْن له، جمعَتا بين بَحْرين معاً.
وينوه د. «قمحيّة» الى أنه عندما أخذ في تَرْتيبِ قَوافي قصائدِ الشّاعر، اعتمد على أَكْثرِ الأَقْوالِ تَداوُلاً، فقد أخذ بعينِ الاعتبار الترتيبَ حسب الرَّوِيِّ المُتَّفق عليه في القَوافي، ولم يلجأ إلى إهمالِ ألفِ الإِطْلاق وهاء الوَصْل واليَاء المُجرَّدة.. وما إلى ذلك، مثلما كان يفعل في جمع الدَّواوين السابقة، بل جعل «ما يأتي بعدَ حرف الرويّ الأساسي أساساً في التَّبْويب. ولذلك، عِنْدما يتَّفق الرويُّ بين القَصائِد، يكون تَرتيبُ حروفِ الرويّ بَدْءاً مِنَ السَّاكِن فالمَفْتوح فالمَضْموم فالمَكْسُور. وعندَ اتِّفاق القَصائِد في حرف الرويِّ وحركتِه، اعتمد على الحرفِ اللاحق ثمّ السَّابِق للرويِّ أو الرِّدْف؛ فإذا كان حرفًا ليِّناً أخذ به أيضاً، وكذلك على حرفِ التَّأْسيس. وعندما يتَّفق شأنُ الرويِّ في كلِّ ذلك، في أكثر من قَصِيدَة، يلجأُ إلى الترتيبِ حَسَب البحُور: الطويل، فالـمَديد، فالبَسيط، فالكامِل، فالوافِر، فالهَزَج، فالرَّجَز، فالرَّمَل، فالسَّريع، فالمُنْسَرِح، فالخَفيف، فالمُضارَع، فالمُقْتَضب، فالمُجْتَثّ، فالمُتَقارب، فالمُتَدارَك (بصرفِ النظر أكانَ البحرُ تاماً أَمْ مَجْزوءاً أم مَشْطوراً..، مع الإشارة إلى أنَّ هذه البُحورَ لم يَكْتب عليها الشاعرُ جميعاً».
يتابع «قمحيّة»: «جعل «سلامة» لبعض قصائده عناوينَ فرعية، مع المحافظة على القافية والوزن، وكان يمهِّد بمقدِّماتٍ تطولُ وتقصُر، وقد التزمتُ بما وردَ في تمهيده، إلّا بعض التَّعْديلات الطفيفة لمُناسبة السِّياق، مع الإبقاء على مقدِّمات القصائد، بهدف التَّوْثيق للشخصيات والمُناسَبات والأحداث الأدبية»..
الديوان صادر عن «دار الإرشاد» سورية – حمص، ويقع في 544 صفحة.
التاريخ: الثلاثاء2-11-2021
رقم العدد :1070