الثورة – دمشق – مازن جلال خيربك:
تحت سقف واحد وعلى مدى يومين اثنين اجتمع كل الأفرقاء من ذوي الصلة بقطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة في قاعة واحدة، وعلى رأسهم رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد الجلالي، لمناقشة سبل النهوض بها وتطويرها وتنميتها تحت مظلة استمرارها ضمن ورشة عمل نوعية، وهي سابقة نوّه بها أحد المشاركين من غير السوريين معتبراً إياها لبنة متينة لبناء صرح اقتصادي ينطلق من هذه النقاط المضيئة المسماة مشاريع متناهية الصغر والصغيرة.
نقاش مباشر
لم يكن مفاجئاً ثقل الأسماء الحاضرة لأن ثقلها ورعايتها كانتا توحيان بهذا الأمر، ولكن المفاجئ في الأمر كان المتابعة الدقيقة لكل ما طرح من مقترحات ومعضلات وأفكار، كما كان مفاجئاً الفريق الاقتصادي الذي حضر من وزراء الصناعة والمالية والزراعة، وبطبيعة الحال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، وحاكم مصرف سورية المركزي، ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، فكان النقاش مفيداً كونه مباشرة مع أصحاب القرار في أعلى هرم السلطة التنفيذية ودون مواربة في الغالب الأعم من النقاشات.
سياسة مالية ونقدية
ما كان لافتاً في ختام الورشة أن نتائجها وتوصياتها تدعو للتفاؤل على اعتبار النتائج والتوصيات جاءت في حقل التدخلات والبرامج ولم تكن في مستوى السياسات الحكومية التي بدت متوافقة مع متطلبات دعم وتمويل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ما يعني أن الحكومة تمتلك سياسة مالية ونقدية واضحة المعالم تتسم بالتوسع لتغطية متطلبات الاستثمار العام والخاص ضمن الحدود الممكنة، بما في ذلك متطلبات تمويل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
المستوى السياساتي
لعل المطالبة بتعديل بعض التشريعات يحتاج لإقامة التوازن بين ضرورة استقرار التشريع من جهة وتلبية متطلبات النشاط الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى، بالتوازي مع أن تسهيل وتبسيط إجراءات العمل وتعزيز سبل التنسيق بين الأطراف الفاعلة في قطاع المشروعات الصغيرة هي قضايا لا ترقى إلى المستوى “السياساتي” وغالباً ما تكون قابلة للتحقق على المدى القصير لأنها تحتاج فقط إلى برامج متابعة جدية ودقيقة طالما أنها تقع ضمن نطاق السياسات العامة المعتمدة للحكومة.
منطلق الاستراتيجية
ورشة “واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويره” اختتمت أعمالها اليوم بنقاش مثمر مع رئيس مجلس الوزراء الذي ناقش الكثير من الأفكار النوعية والتي طرحت كتوصيات ختامية تتشابك مع بعضها البعض لتكوّن أرضية تنطلق منها الاستراتيجية الصحيحة لتطوير القطاع والنهوض به لينهض تالياً بالاقتصاد الوطني.
وخلال الجلسة الختامية وضمن النقاشات التي دارت فيها، كان لرئيس مجلس الوزراء رأي لافت يتمحور حول إشكالات عديدة تشوب ملف المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، أي أنه ليس موضوعاً يمكن التعامل معه بالبساطة التي يتم التعامل بها مع الاستثمار الكبير، لأن بعض الأشخاص يعزفون في بعض الأحيان عن الترخيص، بل من الممكن أن يعملوا بالمشروع دون الحاجة لطلب التمويل من المؤسسات المالية، مشيراً إلى أن سعي الحكومة منصب على تنظيم هذا النوع من المشاريع ومساعدته ودعمه وتوفير البيئة التمكينية المناسبة له، بحيث تكون لهذه المشروعات الفرصة بأن تكبر وتنمو وتتطور لتصبح مبادرات ومشروعات واستثمارات كبيرة.
تيسير التراخيص
الدكتور الجلالي أكد أن الحكومة (تأسيساً على ذلك) لن تتوانى عن إيجاد البيئة والتشريع المناسب دون أن يكون من قلق أو خوف من أصحاب هذه المشاريع، فالحكومة ستقوم من خلال أذرعها في الوزارات والجهات المحلية ومجالس المدن والبلديات بتسهيل وتيسير عملية الترخيص.
النقطة الأهم التي تطرّق إليها رئيس الحكومة هي تمويل المشاريع الصغيرة وضماناتها، حيث طرح إمكانية أن يقوم المشروع ذاته بضمان نفسه، الأمر الذي يستوجب تفعيل الصيغ المناسبة من الكفالات أو ضمان مخاطر القروض، مشددات على أن هذا الأمر ينبغي أن يكون متاحاً ليس فقط للمؤسسات الحكومية وإنما أيضاً للمؤسسات الخاصة كما في بعض الدول التي أنشأت شركات وظيفتها أن تقدم الضمانات للمشاريع الصغيرة.
مساهمة “الخاص”
رئيس مجلس الوزراء أشار إلى نقطة غاية في الأهمية وهي نهوض إمكانية مساهمة القطاع الخاص واتحادات الغرف في خلق البيئة التنظيمية التي تدعم هذا النوع من المشاريع التي تستقطب أيادي عاملة كثيرة، وتساهم في نمو الإنتاج المحلي، كما يمكن المساعدة في توفير البيئة التي تنمو فيها هذه المشاريع من خلال المشاركة في معارض محلية وإقليمية وعالمية والمساعدة في التدريب وإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية من خلال هيئة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبعبارة أخرى “لا يجب انتظار الحكومة دائماً حتى تقوم بكل شيء”.
تجارب عالمية
رئيس مجلس الوزراء تحدث في معرض إجاباته عن التجارب العالمية في هذا المجال، مبيناً أن هذه المشاريع تنمو في العالم بشكل تلقائي، ولكننا في سورية لا نملك حالياً ترف الانتظار وترك الأمور لتنمو بشكلها الطبيعي، فنحن بحاجة للبحث في السبل الكفيلة بتحقيق قفزات للحاق بالركب العالمي في هذا المجال، مشيراً إلى أن هذه الورشة دليل على الحرص الحكومي والاهتمام بتنمية هذا النوع من المشاريع ومناخ الاستثمار بشكل عام، لإمكانية مساهمة المشاريع الكبيرة في تحقيق فائض بالتمويل وهذا الفائض يصب في مصلحة مبادرات ومشاريع متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة، منوهاً بما تعمل عليه الحكومة من إجراءات كتسهيل الحصول على الترخيص وتبسيط الإجراءات.