الثورة – دمشق – ثورة زينية:
أمضى المصور التنظيمي لمدينة دمشق 56 عاماً من دون أي تعديل أو تجديد، ما يجعله مرشحاً بأن يدخل- موسوعة غينيس العالمية- كأطول عمر سجله مصور تنظيمي مع مدينة تعتبر إرثاً حضارياً وإنسانياً، ومن أهم مدن العالم التاريخية التي بقيت حية ومستدامة.
تعديات على استدامة الإرثين الطبيعي والتاريخي
وتساءل عدد من المشاركين في الجلسة الخامسة من “لأجل دمشق نتحاور” عن أسرار صمود المصور التنظيمي “التوجيهي” لدمشق لعام 1968 أو ما يعرف بمصور “ايكوشار” وبقائه حياً نافذاً يتحكم بأسس التخطيط والتطوير للمدينة بالرؤية المستقبلية الموضوعة لها الجامدة والمحنطة، لمدة تزيد عن 56 عاماً منذ التصديق عليه، أي بتجاوز مدة 30 عاماً عن العمر الفني المقدر له 20 عاماً، وعن 51 عاماً عن العمر الفني مقدر له، إذا أخذنا بالاعتبار أنه خلال 5 سنوات من التصديق عليه، موضحين أنه ولدى المباشرة بوضع المصورات التفصيلية تم اكتشاف جملة من التعديات والكوارث على الاستدامة للمدينة وخاصة على استدامة الإرثين الطبيعي والتاريخي وعلى الهوية التاريخية والثقافية.
ولم تخل جلسة الحوار “لأجل دمشق نتحاور” التي تناولت كل ما يتعلق بالمصور العام لمدينة دمشق من انتقادات وجهت للمحافظة بالدرجة الأولى والمعنيين السابقين الذين تناوبوا على مدى سنوات على إدارة الملفات الخدمية والتنظيمية الخاصة بالعاصمة دمشق ، وكانت الجلسة الخامسة من اللقاء الحواري هذه المرة أكثر تخصصاً بالتشارك مع أكاديميي كليتي الهندسة المدنية والمعمارية في جامعة دمشق، والتي تهدف حسب القائمين على هذه الجلسة الحوارية إلى وضع تصور لدمشق لعام 2030، ولاسيما أن لدى المحافظة عدداً من الدراسات منذ عام 1968 وحتى عام 2008 ، ولغاية الآن تعمل دمشق وفق مخطط “إيكو شار”.
حكم بالإعدام
وطالب معظم المشاركين في جلسة الحوار التي استمرت ساعات بضرورة الإسراع بأن تحظى دمشق بمصور تنظيمي لها ولمحيطها الحيوي باعتبارها ضمن منطقة دمشق الكبرى، قبل أن تصبح دمشق فاقدة للحيوية وللاستدامة إذا لم يتم العمل بوقف المصور التنظيمي المحنط، وتجنب الوقوعات الخطيرة بالتعرية لدمشق من المعالم والمواقع التاريخية ومن المشاهد الطبيعية وبكل ما يهدد الصورة للمدينة والهوية الحضارية، إضافة لتفاقم الهجرة السكانية والانفجار السكاني لأضعاف مضاعفة والتردي بالحياة وبالبنية التحتية لها، وتداعيات الحرب المؤثرة سلباً على الموارد البشرية والطبيعية وعلى قدرة الاستيعاب للسكن من المهجرين، مؤكدين على أن أي مخطط ودراسة قبل عام 2010 حتماً حكم عليها بالإعدام نظراً للتغيرات الكبيرة الحاصلة بعد هذا العام والحرب على سورية.
واعتبر عدد من المداخلات أن تأخير العمل لإصدار مصور عام لدمشق و الاستمرار بالمضي قدما بالعمل بمخطط “ايكوشار” التنظيمي ينطوي على آثار سلبية من التهديدات ومن المخاطر الكارثية على المدينة، ويحتاج إلى جهود سريعة لو بشكل مؤقت للمراجعة وللتقييم له والحد من السلبيات منه على استدامة المكون الطبيعي والمكون الثقافي والمكون الاقتصادي والاجتماعي للمدينة وبتعزيز صموده وبالتحصين له، مؤكدين أن العاصمة الأقدم في التاريخ تستحق أن تواكب حركة التقدم والرقي والتنافسية المستدامة بالحياة المعاصرة والمزدهرة وبأن تسير قُدماً نحو المستقبل الأفضل.
وقرر المختصون في ختام جلسة الحوار على إعداد مصور عام جديد لمدينة دمشق وتشكيل لجنة فنية تخصصية للمساهمة في إعداد الدراسة، مؤكدين أن الدراسات السابقة لم تعد تتوافق مع التغيرات الحاصلة، كما أن آخر مشروع جرى العمل عليه ولكنه لم يكتمل.
كما أضاف المختصون المشاركون محاور جديدة في إعداد المخطط، وضرورة البدء بالعمل والخطوات التنفيذية لإعداد المصور التنظيمي الذي يراعي دمشق ومحيطها الحيوي، ووضع معايير جديدة وفق متطلبات المرحلة الحالية، والمخالفات التي نجمت عن الدراسات السابقة، والفجوة من عام 2010 وحتى عام 2024 من تغيير ديموغرافي واجتماعي وتوسع وازدياد للعشوائيات، مع التوقع المستقبلي، والاعتماد على المؤشرات وتصاميم الدراسات التي قدمت مع تغيير المعلومات وتطويرها وفقاً للواقع الراهن.
وصوت المشاركون على ضرورة الاعتماد على تدعيم الخبرات المحلية باستشاريين ذوي خبرة من الخارج، على أن يدرس وضع مصور لدمشق مع المحيط الحيوي ، على أن يدرس موضوع تنظيم منطقة مخالفات “قاسيون- مهاجرين – ركن الدين” بالتوازي مع المصور العام لدمشق، مؤكدين على أن المصور بحاجة إلى إدارة تنفيذ تراعي الجدوى الاقتصادية، حيث اعتبرت مديرة هيئة التخطيط الإقليمي ريما حداد أن ملف مناطق المخالفات هو الملف الملح حالياً، مؤكدة أننا بحاجة إلى أدوات جديدة لتناول ملفات ملحة نعاني منها، مع التأكيد على الخبرات الوطنية.
التوسع باتجاه المناطق غير الخضراء
محافظ دمشق المهندس طارق كريشاتي في تصريح لـ”الثورة ” اعتبر أن الهدف من الجلسة تحديد الأسس اللازمة لإعداد مصور عام جديد لدمشق وضمان توافق المصور مع التحديات الراهنة وتعزيز المشاركة المجتمعية في عملية التخطيط ووضع رؤية واستراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على هوية دمشق، مضيفا: أنا شخصياً لست مع التوسع باتجاه الغوطتين المقترح ضمن الدراسة المقدمة في المرحلتين الأولى والثانية، علماً أن الدراسة لم تستكمل، وإنما مع التوسع باتجاه المناطق غير الخضراء، خاصة أن المناطق الخضراء هي رئة دمشق.
وكان أشار- خلال كلمته ضمن الجلسة، إلى انه لولا قصور المخطط التنظيمي لعام 1968 لما ظهرت 19 منطقة مخالفات بدمشق، لذلك نحن مهتمون بالمحيط الحيوي، ولكن ليس بالتوسع بشكل دائري والذي قضى على الغوطتين، ما كان يفرض عليناً التوسع نحو المناطق الغربية القاحلة. ونوه إلى التفكير بكيفية معالجة مناطق المخالفات المنتشرة بدمشق، معتبراً أن وجودها جاء نتيجة قصور في المخطط التنظيمي، لذا هناك حلول إسعافية جديدة.
ولفت إلى وجود خمس مناطق بصدد تنظيمها وهي “ماروتا سيتي – باسيليا سيتي – القابون الصناعي – القابون السكني جوبر”، مؤكداً صدور المخطط التنظيمية لبعضها، والآخر قيد الصدور.