اليوم وأنا على مسافة قصيرة جداً من التقاعد حيث مع نهاية هذه السنة تنتهي خدمتي في صحيفة الثورة ثمة شعور بأنني لا أستطيع فكّ الإرتباط مع الصحيفة التي عملت فيها ولم أعد أستطع حتى تنفس الهواء من دونها ورأيت فيها تحقيقا للذات .
طيلة عملي كنت أسعى لتحصين نفسي من ترحيل المسؤولية ومن ثقافة التواكل وأن الشعور بالراحة والرفاهية ليست في عدم وجود عمل وأن العمل ليس مجرد إسقاط واجب وإن كانت ظروف العمل أحياناً تفتقر للوفاء لمن يقوم بالتزاماته وواجباته على أكمل وجه ولمن أحب العمل بكرامة وإخلاص .
وأنا أودّع العمل في جريدة الثورة وفقاً لسن التقاعد المشروط بالعمر فقط أكرر هنا السؤال الذي طرحه ربما كل من سبقني في التقاعد : هل يشيخ القلم والفكر والكلمة والإبداع بعد بلوغ المرء الستين ؟ أسأل سؤال العارف لكن أريد من وراء ذلك أن أثير الجدل المزمن حول أنظمة التقاعد وهو جدلٌ يتعلق بالمعايير والمخارج إلى التقاعد ، وإذا كنتُ ملتزماً بالضوابط القانونية إلا أنه من الصعب إن لم أقل من المستحيل أن تتبدل أو تتراجع لدي (سوسة الكتابة والمتابعة ) أو أن يلجم التقاعد قلمي لمجرد تجاوز السن القانوني لا بل ان التقاعد سيكون انطلاقة أخرى في الحياة .
ستّون عاماً مليئة بالأحداث والمصاعب تبدلت خلالها المنظومات القيمية وانتشر الفساد وكان لزاماً علينا أن نستمر في الحياة عن طريق الكتابة ونستقوي بالحق والمصداقية والموضوعية، واليوم وأنا أتأمل القادم من الأيام بعد قرار إنهاء خدماتي لبلوغي السن القانوني لن يهدأ قلمي ولن يتوقف هاجس الكتابة بقرار التقاعد ، ولا يستطيع الزمن وحده أو السن القانوني أن يحرمني من رفع الظلم عن مظلوم أو أن انتزع حقاً لصاحبه مهما تعددت فنون الجناة وادعاءات الجهلة في عالم لا خجل ولا حياء فيه ، لا بل انتهاك للقيم والمقامات وكل شيء تحول إلى سلعة وأصبح المال معيار القياس والعلاقات والتبجيل في زمن النكران والهجران .
هذه الزاوية التي كنت أتناوب مع زملاء آخرين على كتابتها عنوانها ( الكنز ) مستمر فيها بتكريم من صحيفتي الغالية ورئيس تحريرها الزميل والصديق أحمد حمادة، لكن اليوم اعتبر أن الكنز الحقيقي هو أنني حافظت على المقام ولم تبدلني الظروف القاسية والسهام الطائشة .
أودع صحيفة الثورة ومستمر إن شاء الله في الوفاء لها ونظيف اليد والعقل والقلب، وأولى الحروف والكلمات ستظل ممتدة لها، وهذا هو الكنز الحقيقي بالنسبة لي
الكنز – يونس خلف: