للعام الثاني على التوالي تدخل الموسيقا كشريك أساسي في افتتاح أيام الفن التشكيلي، بما يتجاوز دورها الاحتفالي لتكون جزءاً أصيلاً من عرض بصري – سمعي خاص بالمناسبة.
في الموسم الثالث (العام الماضي) ألف المايسترو عدنان فتح الله (عميد المعهد العالي للموسيقا – قائد الفرقة السيمفونية السورية للموسيقا العربية) مقطوعة رائعة لاحتفال الموسم بالذكرى المئوية لولادة الفنان المعلم نصير شورى، عزفتها الفرقة بمرافقة شريط بصري أعده بأناقة المونتير أيهم طالو من مجموعة مختارة من لوحات نصير شورى. وفي موسم هذا العام (الرابع) كرر الثنائي الموسيقي – البصري تجربتهما الناجحة مع لوحات ومنحوتات الفنان المعلم محمود جلال، الذي احتفل الموسم الرابع بذكرى مرور مئة وعشر سنوات على ولادته.
غير أن حضور الموسيقا لم يقتصر (في المرتين) على العرض الافتتاحي البصري – السمعي، وإنما كان لها حظوة اختتام الحفل بفقرة مختارة (بخبرة) من مؤلفات موسيقية وألحان غنائية تمتلك قيمة فنية عالية. وفي هذا العام قُدمت الفقرة الموسيقية المؤلفة من سبع فقرات تراثية ومعاصرة على خلفية عرض غرافيكي ممتع أنجزته التشكيلية نادين الهبل، اعتماداً على تفاصيل منتقاة ببراعة من لوحات فنانين سوريين.
لماذا الموسيقا في احتفال تشكيلي؟
قد يكون الجواب للوهلة الأولى أنها العادة في الاحتفالات الثقافية. لكن الأمر في واقع الحال أبعد من مجرد تقليد ثقافي، إنه يستند إلى العلاقة الخاصة بين الموسيقا والفن التشكيلي، حيث يجد كثير من الباحثين والنقاد والفنانين أن الموسيقا هي الأقرب للفن التشكيلي من صنوف الإبداع جميعاً. بحكم عالمية كليهما، وقدرتهما على الوصول إلى المتلقي – أياً كانت ثقافته – دون استخدام الكلمات. وتشابه أسلوب تفاعل كل منهما مع الحاسة الإنسانية التي تخصه: السمع للموسيقا والبصر لفنون التشكيل. وقد يفسر هذا وفرة النصوص البحثية والنقدية التشكيلية بالتعابير المستعارة من الموسيقا، كهارموني الألوان، وإيقاعات الخطوط، وضربات الريشة، وموسيقا اللوحة.
في الفقرة الموسيقية هذا العام لفتت الانتباه لونغا فرحفزا (أو فرح فزا)، إما لاسمها، بالنسبة لمن لم يسمعها من قبل. أو لطبيعة بنائها الرشيق الخفيف الحركة، و المحكم في ذات الوقت. وهي إحدى عملين ظلا معروفين (الثاني رقصة شنغهاي) من أصل ثمانية وثلاثين مقطوعة ألفها رياض السنباطي للموسيقا الآلية. وتعود غالباُ إلى نهاية ثلاثينات القرن الماضي، ويرى بعض الباحثين الموسيقيين أن تجارب السنباطي الأولى في التأليف للموسيقا الآلية ساهمت في تطوير أدواته في حياكة الجمل الموسيقية التي وضعها ببناء محكم للأغاني التي لحنها.
كان اختيار فتح الله هذه المقطوعة، ليقدمها في احتفال تشكيلي بارع للغاية، فإضافة إلى الروح العصرية التي تتمتع بها مع حفاظها على طبيعتها الشرقية، فإنها لا تُلحق ذاتها بالغناء، كما هو حال معظم الموسيقا العربية.
وهي في ذلك تتفق مع مسعى الفن التشكيلي، منذ مطلع القرن الماضي، للتحرر من سطوة الحكاية
إضاءات – سعد القاسم: