فداء منصور فنان مبتكر رحل باكراً

الثورة – أديب مخزوم:

فجعت الحركة الفنية والثقافية برحيل الفنان التشكيلي فداء منصور (أحد أهم فناني جيله) وهو في أوج العطاء الإبداعي والغزارة في الإنتاج والعرض (كان يقيم أحياناً معرضين في العام الواحد) ولقد كشفت مجموعة البورتريهات التي أنجزها، عن إمكانياته اللافتة، وقدرته العالية في السيطرة على مفردات التكوين الواقعي، وتحسس إيقاعات الإتقان والتناسب والتوازن والتناسق، في خطوات تجسيد موديلات حية جالسة أمامه أحياناً، حيث كان يرسمهم بسهولة وبخطوط سريعة وحساسة ومتحررة.
كما استطاع خلال سنوات تجربته، كشف أسرار ووسائل الرسم، بتقنيات مختلفة، وبالتالي وصل، إلى مواصفات العمل الفني المميز بحيويته وحركته التعبيرية الشاعرية والغنائية. وهذه المواصفات المتجددة لا بد أن نلمسها إذا تتبعنا لوحاته التي قدمها، في مراحله المختلفة، من الواقعية إلى الانطباعية وصولاً إلى المرحلة الدائرية، التي ركز عليها في السنوات الأخيرة، وفيها عمل على التشكيلات الدائرية، واستمد من اللون جمالية المساحة الصافية المنطبعة من الرؤية الأولى، وهذا زاد من وضوح الرؤية الخيالية في فراغ السطح التصويري، واستشفاف جوهر الرسم التحويري والتبسيطي، بالمختصر المفيد أو بالسهل الممتنع.
هكذا حقق تحوله الكبير نحو التشكيل الدائري، حيث أصبح يسير في إطار البحث عن حلول جديدة للتأليف التشكيلي والتقني الحديث والمعاصر، من خلال إيجاد تغييرات في الأسلوب والطريقة والمواضيع المختلفة، المستمدة في أحيان كثيرة من الواقع والخيال والعناصر القديمة والحديثة معاً، ولوحاته تروي علاقة الإنسان بالأرض والقرية والطفولة والحيوان والماء والنار والتراث والماضي والحاضر (قطاف الزيتون، التنور، الصيد، الأطفال والعجلات، ضاربة الدف، صانع الجرار الفخارية، الراعي، الغسيل في النهر، الفانوس وغيرها).
وحققت أعماله حالات البحث عن صياغة فنية خاصة، قائمة على التحوير والتبسيط وحركة الخطوط المرنة والمنسابة طلاقة وحيوية، بينما ظهرت في الخلفيات لمسات اللون العفوي والمساحات الصافية والمبهرة أو المبهجة، وهذا يعني أن الفنان الراحل فداء منصور بدا في بورتريهاته ومواضيعه المختلفة وتحولاته الأسلوبية، من حالات الدقة الواقعية إلى حالات الاختصار، الذي يتبع حركة الدوائر والأقواس، أكثر اتجاهاً نحو البحث عن إيقاعات وجدانية وعاطفية وحديثة، على الصعيدين التكويني والتلويني.
لوحات كثيرة متنوعة في مواضيعها المستعادة، في بعض الأحيان، من الذاكرة ومن تأملاته لمشاهد قادمة من البيئة الساحلية التي ينتمي إليها. قدم فيها ثمرة وخلاصة تجربته الدائرية، التي أقام لها ثمانية معارض فردية حتى نهاية عام 2021، واصل فيها هاجس اختصار الموضوع وتبسيطه وإعادة صياغته بحركة خطوطه المرنة والمنسابة والرشيقة، والتي اكتسبها خلال ممارسته للخط العربي الديواني (على حد قوله).
ولا يجوز التحدث عن أعمال الفنان الراحل فداء منصور، دون الرجوع إلى جدارياته البانورامية، وخاصة جداريته (طريق الحرير) التي أنجزها، على جدار السفارة الصينية في دمشق ( بطول خمسين متراً وارتفاع مترين ) وفيها جسد آثار تدمر وسور الصين العظيم وقوافل الجمال وبعض المشاهد الأخرى، للتعبير عن عمق الصداقة التاريخية، القائمة بين سورية والصين منذ عهد زنوبيا وإلى اليوم، كما تظهر بحيرة الماء، وأشجار النخيل العالية، تتخللها المرتفعات والمنخفضات الرملية، المترامية الأطراف، ومن الناحية الفنية، نجد اللمسات العفوية، والمساحات الواسعة، وخاصة في صياغة المساحات الخضراء المحيطة بسور الصين، في حين تظهر الدقة والتدرج اللوني في الأعمدة وتيجانها والجدران التاريخية وأحجارها، التي توحي بالقدم وبتعاقب الأزمنة، ونلمس في هذه الجدارية بعض التحولات في مسائل الدمج ما بين الواقعية والحداثة اللونية، وهذه الجدارية، التي تطلبت كثيراً من الجهد والوقت، هي الأولى من نوعها في سورية، ويستحق عليها كل تقدير وتكريم.

هذه المواصفات كرسته كواحد من المصورين الموهوبين القلائل الذين كانوا يمنحون الموديل الحي تجلياته المتجددة وحركته التعبيرية الباحثة عن تغييرات في الوضعية أو الجلسة. بالإضافة إلى ذلك أمتلك قدرة مطلقة على معالجة المواضيع المختلفة، مع التركيز على أجواء اللمسة العفوية للون، وبذلك يتجاوز المعطيات السياحية الرتيبة ليصل إلى الحالة الروحية الصافية أو إلى البريق اللوني الشاعري والغنائي. وعمل على إيجاد حركة توازن بين الجانب الهندسي، وبين الجانب التعبيري العفوي الباحث عن حركة أكثر عفوية وتعبيرية.

آخر الأخبار
"تجارة حلب" تبحث تحديات قطاع المواد الكيماوية للأدوية ومواد التجميل بعد ارتفاع تعرفة الكهرباء.. المنتج المحلي عاجز عن منافسة المستورد ازدحام السيارات يهدد هوية دمشق القديمة ويقضم ذاكرة المكان فوضى ارتفاع الأسعار مستمرة.. حبزه: التجار يسعرون عبر الواتس آب مستشفى جبلة الوطني.. خدمات مستمرة على الرغم من الصعوبات "مغارة جوعيت" جمال فريد لم يلتفت إليه أحد! الرئيس الشرع يلتقي ترامب في "البيت الأبيض" في هذا التوقيت.. تفاصيل اللقاء ما علاقة زيارة الشرع لـ "البيت الأبيض" بإطلاق العملة السورية الجديدة؟ الزراعة في حلب.. تحديات الواقع وآفاق الاستثمار الواعد الشرع وفيدان في واشنطن.. زيارة ثنائية متزامنة بنفس التوقيت إزالة "الفيميه" .. تعيد الجدل في شوارع حلب حين تفقد الكهرباء عقلها..معركة الطاقة تبدأ من الإدارة تمويل خليجي وخبرة روسية يعيد إحياء الطاقة في سوريا اتفاقيات الحبتور في سوريا نقلة نوعية نحو اقتصاد المستقبل معاون وزير الاقتصاد: وحدات تعبئة المياه تربح 20 مليار ليرة زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.. بوابة لإعادة الإعمار والاستقرار الاقتصادي 70 بالمئة من زيوت السيارات مغشوشة إلغاء قانون قيصر.. بداية بناء المستقبل الاستثماري الصحة تفتح أبوابها لكفاءاتها و"منظمة الهجرة " شريك في العودة الشرع يلتقي الجالية السورية في واشنطن: ما الرسائل التي وجهها لمرحلة ما بعد التحرير؟