تحديات صحية في ظل أزمات المياه والصرف الصحي.. “الصحة ” الترصد الروتيني ونظام الإنذار المبكر لم يسجلا أي حالة مثبتة من الكوليرا
الثورة – ناديا سعود:
يتزايد القلق من تفشي الكوليرا.. في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد- المرض المعدي الذي يشكل تهديداً كبيراً للصحة العامة، خصوصاً في المناطق التي تعاني من تدهور للبنى التحتية من مياه وصرف الصحي، ووفقاً لخبراء
الصحة فإن انتشار المرض يرتبط مباشرة بتلوث مصادر المياه وسوء الممارسات الصحية، مما يتطلب استجابة عاجلة وتنسيقاً واسعاً بين مختلف الجهات المعنية.
ترصد واستجابة
مدير الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة الدكتورة رزان طرابيشي أكدت لـ”الثورة” أن الوزارة تتعامل بجدية تامة مع حالات الإسهال المائي الحاد المشتبه بها، مشيرة إلى أن نظام الترصد الروتيني ونظام الإنذار المبكر لم يسجلا حتى الآن أي حالة كوليرا مؤكدة مخبرياً عن طريق الزرع الجرثومي.
وأوضحت أن المؤسسات الصحية، ولاسيما المستشفيات المخصصة لاستقبال ومعالجة هذه الحالات، تقوم بإجراء الاختبار السريع وتقديم العلاج اللازم فوراً، وفي حال الاشتباه، يتم الإبلاغ الفوري إلى شعبة الأمراض السارية في مديرية الصحة، التي ترسل فريق الاستجابة السريعة لتقصي الحالة أو الحالات، وجمع عينات برازية تُرسل إلى مخبر الصحة العامة لتأكيد التشخيص.
وأضافت الدكتورة طرابيشي: يتم التنسيق مع الجهات المعنية كالمؤسسة العامة للمياه لزيارة المناطق المبلغ عنها ودراسة الوضع البيئي، وقياس نسبة الكلور في المياه، وأخذ عينات للفحوص الكيميائية والجرثومية عند الشك بوجود تلوث ويتم لاحقاً رفع تقرير مفصل إلى مديرية الرعاية الصحية الأولية يتضمن الحالات والإجراءات المتخذة.
ولفتت إلى أنه في إطار الاستعداد والاستجابة، تقوم مديرية الرعاية الصحية الأولية بتعميم التعليمات على مديريات الصحة لتكثيف الترصد، وتجهيز المستشفيات بالأدوية، والسيرومات، ومستلزمات التشخيص المخبري، كما يجري التعاون مع الجهات الأخرى لتشديد الرقابة على مصادر المياه وسلامة الغذاء من المزرعة إلى المستهلك، إلى جانب تكثيف حملات التوعية الصحية عبر مختلف وسائل الإعلام، موضحة أنه رغم التحديات الكبيرة الناجمة عن العقوبات والحصار الاقتصادي، تواصل وزارة الصحة جهودها لتوفير الأدوية، والسيرومات، واللقاحات مجاناً بدعم من منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، وتؤكد على ضمان استمرارية توفر هذه المستلزمات من دون انقطاع.
كما تعمل الدولة حالياً على إعادة تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي في المناطق المتضررة، وفي حال عدم توفر مياه صالحة للشرب، يتم تأمينها عبر صهاريج مراقبة من حيث السلامة والتعقيم، بالإضافة إلى توزيع حبوب الكلور لتعقيم المياه المستخدمة منزلياً وخاصة تلك القادمة من الآبار والمناهل غير المعقّمة.
مرض سريع وخبيث
الدكتور هاني اللحام- اختصاص صحة عامة وصحة دولية، أفاد لصحيفة الثورة أن مرض الكوليرا ليس مجرد مرض عابر، بل تهديداً صحياً عالمياً يتربص بالمجتمعات، خاصة في أوقات الأزمات والنزوح”، وتنتقل الكوليرا عن طريق ابتلاع طعام أو استهلاك ماء ملوث ببراز شخص مصاب، وغالباً ما تكون اليد غير المغسولة جسراً خفياً للعدوى، ورغم وجود أكثر من 200 زمرة من ضمات الهيضة، “إلا أن الزمرتين 01,o139 هما المسؤولتان عن الأوبئة التي تفتك السكان”.
وأضاف د. اللحام: إن فترة حضانة الكوليرا قصيرة، تتراوح بين 12 ساعة و5 أيام، ليظهر المرض على شكل إسهال مائي حاد يمكن أن يودي بالحياة خلال ساعات إذا لم يُعالج، ما يزيد خطورتها أن معظم المصابين لا تظهر عليهم أعراض، لكنهم يظلون قادرين على نقل العدوى لعدة أيام، أما من تظهر عليهم الأعراض هم 5 بالمئة فقط يعانون من حالات شديدة تتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً.
ومع أن العلاج لا يتطلب تأكيداً مخبرياً حسب اللحام فإن الفحوص الدقيقة تبقى ضرورية لكشف الفاشيات المحتملة، لمراقبة تحسس الجراثيم للصادات، وتُعد اختبارات (PCR) والتراص المصلي والزرع الجرثومي أبرزها أدوات التشخيص، فيما يسهم الاختبار السريع (RDT) في تسريع الترصد، خاصة في المناطق النائية، موضحاً أن العلاج يبدأ بالإماهة (محلول فموي فوري) فالتجفاف هو العدو الأول للمريض، والإماهة الفموية تنقذ الأرواح، بينما يُلجأ إلى المحاليل الوريدية للحالات الشديدة، ويُفضل استخدام محلول “رنغر لاكتات” في الحالات الحرجة، أما الصادات الحيوية، فهي تُستخدم لتقصير فترة المرض وتقليل طرح الجراثيم، من دون الاعتماد عليها كعلاج أساسي، إضافة إلى أن الزنك أيضاً له دور فعّال، خاصة لدى الأطفال، إذ يقلل من مدة الإسهال ويمنع تكراره، ولا يُنسى دور الإرضاع الطبيعي في دعم مناعة الرضع ضد الكوليرا وأمراض الإسهال عموماً.
ويرى الدكتور اللحام أن الكوليرا لا تُقهر إلا عبر العمل الجماعي، وتوفير المياه الآمنة، ووجود الصرف الصحي المناسب، معتبراً أن توعية المجتمعات تُعد أسس الوقاية التي تركز على غسل اليدين وطهي الطعام جيداً، وشرب المياه المعقمة وهي خطوات بسيطة لكنها حاسمة، كما يُعد إشراك المجتمعات في حملات التوعية والتخطيط للاستجابة جزءاً أساسياً من الحل.
ويستخدم اللقاح الفموي ضد الكوليرا في المناطق الساخنة أو خلال الأوبئة، لكنه لا يغني عن تحسين البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، فالمعركة ضد الكوليرا تُكسب حين تتضافر جهود الوقاية، العلاج، واللقاحات.
جهوزية صحية
رئيس منطقة دمشق الصحية في مديرية صحة القنيطرة الدكتور بسام حمدان أكد أن المديرية تعمل حالياً على تعزيز الجاهزية الصحية في مختلف المراكز استعداداً لفصل الصيف، الذي يشهد تزايداً في حالات الإسهالات المائية الحادة، إلى جانب رفع درجة التأهب لاحتمالية ظهور إصابات بالكوليرا.
وأوضح أنه تم مسبقاً توزيع “كيتات” اختبار سريع للكوليرا صالحة حتى شهر آب 2025، إضافة إلى توفير حبوب الكلور والزنك لجميع المراكز الصحية، وأشار إلى أن المديرية ستقوم بإجراء مسح ميداني جديد لتقييم توفر هذه المواد في المراكز، على أن يتم تزويد أي مركز تنقصه تلك المستلزمات.
ولفت د. حمدان إلى أن المديرية تعتمد على تقارير أسبوعية صادرة عن نظام الإنذار المبكر والاستجابة السريعة، والتي تتضمن بيانات حول عدد الحالات المُبلّغ عنها من أمراض عدة، مثل الإسهال الحاد المائي، الإسهال المدمي، التهاب الكبد المشتبه، وغيرها من الأمراض التي تساعد في رصد الواقع الصحي بشكل دقيق.
وأشار إلى أن هناك جهوداً مكثفة تُبذل حالياً لمراقبة الأغذية والمحال التجارية المنتشرة في جميع التجمعات السكانية، كما يتم إجراء فحوصات دورية لشبكات الصرف الصحي من خلال أخذ عينات شهرية تُرسل إلى مخابر وزارة الصحة للتحليل.
وفي سياق متصل، شدد على أن صهاريج المياه التي توزع المياه على السكان تخضع لرقابة مشددة، لضبط عملها وضمان جودة المياه التي تصل إلى الأهالي، ضمن خطة شاملة لحماية الصحة العامة خلال أشهر الصيف.