الثورة- سهيلة إسماعيل:
يقودنا الكاتب والمسرحي الفرنسي آلان باج صاحب رواية ” أنا لاشيء”- الصادرة عن دار لوشيرش ميدي- لنكتشف معه أن الهدف من المشاركة في حركات التحرر والثورات ليس واحداً لدى الجميع, وإنما يرتبط بمصالحهم, وعندها تختل الموازين وتتباين المعايير, فيعيد الإنسان النظر بكل ما فعله, ويطرح على نفسه أسئلة جوهرية وجودية من قبيل “من أنا؟ ما قيمتي في مجتمعي.. هل كنتُ مغفلاً.. كيف أعطي لوجودي معنىً؟” لتصبح بعد ذلك إعادة النظر بكل شيء وطرحه للبحث قضية حتمية, كعلاقات الحب والعلاقات الاجتماعية وغيرها من القضايا الحياتية, وصولاً إلى الأدب والفن والسياسة والدين والأنظمة العامة، ولاسيما أن الكاتب لا يستطيع أن يتخذ موقف المحايد أو المتفرج, بل عليه أن ينغمس في جهة ما, فيصل الأمر لدى الكاتب آلان باج حد الفجيعة القاسية؛ إلى درجة أنه حين يحاول الكتابة ترتجف يديه خوفا من عدم قدرته على الكتابة, وابتداع شخصيات يورثها أفكاره ومعتقداته.
فنجده يكتب في مقدمة الرواية:” آمل أن تسلي ألوان التشابه الظاهرية في السجايا أو المواقف عددا من أصدقائي الذين لا يجهلون أن مزية كل مؤلف هي أن يستعير أو يختلس بقايا حياة لهؤلاء أو أولئك من الناس كي يحرفها تماماً عن واقعها؛ آمل ألا يروا في ذلك أي هجوم شخصي. ومن الواضح لدى جميع منْ لا أعدهم في صف أصدقائي أن كل تطابق مع شخصية موجودة, أو وجدت لا يمكن أن يكون إلا تطابقاً صرفاً”.
طبعاً, سنبرر للكاتب كل ما حفلت به الرواية من تشاؤم عندما نعلم أنه كان من أباطرة أحداث 1968 في فرنسا, أحداث غيَّرت تاريخ الجمهورية الفرنسية, حيث كان عمره ستة عشر عاماً, وكغيره ظن نفس بطل جيله, بطلاً يتجاوز قدراته, فتخيل أنه يكفي إغلاق العينين من أجل الحلم, ونسي أن المشي والعينان مغلقتان هو أفضل طريقة لتهشيم الوجه, لكنه لن يتعب من التحري ونظم الكلمات وإقامة المغامرات العاطفية مع النساء.
يكتشف باج في سرديته الذاتية أن ما حدث شبيه بالخديعة الكبرى وربما الفخ, لأن كل واحد من دعاة الثورة كان يتستر وراء قناع ذي ألوان صارخة وبطر ثوري, يستخدم الأخلاق النضالية لتحقيق مآربه فقط. فالرواية قصة بطلها في مجتمع تحرر من جميع محرماته, قصة شاب يفتش عن سر ولادته بسبب عدم قدرته على التأقلم مع بيئته, ما يجعله يعيش غربة نفسية, جعلته يحلل تفاصيل وصول المجتمع إلى حالته المزرية وتلاشي الحلم لدى جيل بأكمله.
فيقول في نهاية الرواية:” هكذا أرادوني, فجروا طاقاتي, وأوهموني أنني سأحقق معجزة, وأنني مطالب بأن ألعب دورا في فيلم بورنو متسخ”.. يعيد باج عصر الخيال المعاش يومياً بأسلوب فريد, حيث العنف والجمال يصنعان الحب.
ولأن موضوع إنجاز الكتاب لا يدخل في لغة الربح السريع، فهو يحتاج إلى إنفاق ربما يقدر بالملايين، فالكتاب لا يربح مباشرة من الناحية المادية بل يخسر حين يكون حجم الإنفاق أكثر من المردود، وبالتالي متى تعوض هذه الملايين لقاء طباعة الكتاب وانتظار رحلة بيع النسخ والتي قد تصل للمئات، ومع ذلك تكافح الدار بكل إمكانياتها حتى تثبت نفسها.
تحتضن الدار خمساً وثلاثين موظفاً يعيشون على هذا الكتاب “المسكين” حسب وصفه، لكنها تمتلك رصيد انتشار واسع في الوطن العربي وحاضرة بقوة مؤثرة من خلال المعارض في مصر، وقطر، والرياض، وعجمان والأردن وغيرها.. فدار الفكر صارت حقيقة مشهورة ضخت الكتب في جميع الاتجاهات.
كتاب محكم
وعن كيفية اختيار العناوين ذكر الدكتور أباظة أن الكتاب لا يدخل دار الفكر كيفما شاء، وإنما يخضع لقراءة محكمة من قبل مختصين، ويوضح بهذا الجانب، أنه إذا جاء أي رد أو نقد على مضمون أي كتاب فان الدار تعرف كيف ترد عليه بالأدلة والبراهين، لذلك نتعامل مع كبار الكتاب الوطن العربي إضافة لكبار كتاب سوريا، مثل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والدكتور محمد الزحيلي، وأخيه وهبة الزحيلي، والدكتور شوقي أبو خليل، وغيرهم الكثير من جميع المستويات الفكرية.
يذكر أن الدكتور نزار أباظة كاتب وروائي سوري، من مواليد دمشق، حاصل على دكتوراه في الأدب العربي الحديث وإجازة في الأدبين العربي والفرنسي، عمل في التدريس، وفي مجمع اللغة العربية، ومركز جامعة الماجد للثقافة والتراث في دبي، يعمل حالياً في دار الفكر ومعهد الفتح الإسلامي في دمشق، له أكثر من 40 كتاباً في الأدب والتاريخ والتراث.