لوحات ممزوجة بألوان جريحة. . التشكيلي فرزات لـ(الثورة): 14عاماً وأنا أبحث عن ملامحي بين وجوه الموتى والناجين من المقتلة  

 الثورة-باريس: حاوره-أحمد صلال: 

الرسام التشكيلي أسعد فرزات له دور استثنائي في تشكيل ما يمكن تسميته “الفن التشكيلي في الثورة السورية”، وأثر فرزات في الفن المعاصر السوري بدا واضحاً من خلال تقنية

رسم الوجوه التي تختصر آلام البشر في زمن الحرب، وهو دور تخطّى فيه فرزات الفن التشكيلي السوري بالضرورة.. فجاءت لوحاته ممزوجة بألوان جريحة ومحتجّة وصارخة تقاوم عنف النظام، عبر ريشة تزخر بتفصيلات وإشارات الحرية ورموزها وفضاءاتها، بما فيها من حقّ وحياة وجمال.

صحيفة(الثورة)كان لها الحوار التالي مع الرسام التشكيلي أسعد فرزات.

وجوه أسعد فرزات

يلجأ بعض الرسامين إلى رسم وجوه الآخرين بحثاً عن وجوههم، تلك معادلة لا يجيد تركيب عناصرها كثيرون. فالمسألة لا تتعلق بابتكار هيئة لوجه ما، بل باستحضار لحظات الشقاء التي تجعل ذلك الوجه لا يشبه وجهاً سواه؛ الرسام التشكيلي أسعد فرزات كيف تمكنت من ذلك؟

سؤال جداً معمق، هذا يعود بي إلى ما وصفه الناقد المعروف فاروق يوسف، حيث وصف الحالة بأن أسعد فرزات بدل أن يرسم وجهه كما فعل فان جوخ صار يتنقل بين وجوه الآخرين بحثاً عن وجه حقيقة.

أربعة عشر عاماً، وأنا أبحث عن ملامحي بين وجوه الموتى والناجين من المقتلة، منها بقايا وجوه قضمتها أسماك القرش أو رصاصة حارة اخترقت جزءاً من جمجمة لتفتح في الطرف الآخر مغارة بداخلها سرد طويل لحكايته مع تلك الرصاصة.

 الدم الطازج

تقول “إن ملامح الوجوه ضاعت في المعتقلات أوابتلعها البحر أواندمجت مع الصقيع”كيف جسدت هذه المعادلة فنياً؟

وجوه لفحها الصقيع البارد لدرجة التجمد، وأخرى أزيل عنها ملوحة البحر لعلّني أرى وجهي أو وجه من أعرفه، وجوه تفوح منها رائحة البارود أحياناً، ورائحة الدم الطازج أحياناً وهكذا.. لم اكتف بهذا فقط، فيما بعد بحثت في الجدران الرطبه للزنازين وبين الأحرف المنقوشة بالأظافر على الجدران لعلني أجد أسماء من فقدت من أصدقائي زكي كورديللو وابنه مهيار وعادل برازي وغياث مطر واخرون لازلت أبحث علني أجد بعض من ملامحي.

 بيت الأموات

ترسم بعد الصورة وصف الموت؛ كيف يؤثر ذلك على أسلوبك التعبيري وحياتك النفسية، حيث رسم الموت يشبه العيش في”بيت الأموات”؟ أقصد بالعالم الآخر، حيث يعود الموتى للتجذر والحياة من خلال هذه النظرية الكونية على الأقل، عالم خالٍ من الموت المتعمد، والأقبية، وغرف الظلام، خالٍ من براميل الموت والرطوبة وتكاثر الجلادين، ومواد كيماوية فقط لتنظيف المراحيض وليس لقتل الأطفال.. عودة لعالم تتوافر فيه بعض شروط عصر الباليولتيك حيث استخدام المعدن فقط للصيد وليس لصنع رصاصة.. عالم نقي من الموت هذا هو العالم الآخر، ربما فعلاً وجوهنا غادرتنا إلى هناك فعلاً.

عربدة الفرشاة

أتت لوحتك بعد الثورة، تتضمن مزجاً بين ما هو معيش وما هو متخيل، كما لو أنك صرت ترى الواقع باعتباره أسطورة ؟

المسألة ربما تتعلق بنقيض الموت أيضاً، والقلائل من الرسامين فعلوا ذلك، أقصد من رسم الموت بطريقته، هذا يذكرني بالرسام بيتر بروغل الهولندي، حيث جسد الموت كقوة لاتقاوم بمشهد مليء بالفوضى والرعب، حيث الموت قوة لامفرّ منها أمام آلة الحرب القبيحة والغبية، كذلك الرسام غوستاف كوربيه يصوّر مشهداً في جنازة يقدّم الموت كجزءٍ من الحياة لاينفصل عنها .. وايغون شيلي، حيث يثور الموت والعذراء في عناق حميمي، ما يوحي بذلك بأن الموت ليس مجرد نهاية ..

أما عن تجربتي بتلك الحالة فقد عشتها بدءاً مع ابنتي الوحيدة، حيث عشت سنوات مع الموت، كنت على صراع مرير لعدة سنوات معه كي لايخطفها مني، لكن قبل أن تغادرني عانقتني على طريقة لوحة ايغون، قبلتني قبلتها الأخيرة ثم غادرت.. عدا عن تجربتي أيضاً من خلال قصيدة نوري الجراح الخروج من شرق المتوسط .. عشت مع الغرقى وقوارب الموت، حتى أن أحد القوارب الذي رسمته يأبى أن يغادر فراشي عند النوم حتى هذه اللحظة، عدا عن نشيد الموت من خلال لوحة السموفونية الأخيرة للمايسترو، الذي عزف النشيد الأخير لنا عند مطلع الفجر.

ربما وصف أسعد عرابي لتجربتي هذه قد تكون أكثر اختزالاً وعمقاً، حين قال، عربدة الفرشاة لدى أسعد فرزات تحيلنا من الكثافة إلى الإلماح الكثيف للحواضر ونشور يوم قيامتها وخروجها من شرق المتوسط بما فيه الموت.

 أسود مضيء

خلال سنوات الثورة شكّل اللون الأسود ومشتقاته، وكذلك الحال مع اللون الأحمر، بين اللون الأسود واللون الأحمر؛ لماذا يسطيران على المزاج التشكيلي العام والشخصي لفرزات؟

بالشكل التقليدي عادة يستخدم اللون الأسود بغياب الضوء وسلخ الأشياء من لونها الأساسي ..

أنا على العكس أرى ببعض استخداماته من خلال تطويع المادة أن أقول :هناك في الأفق مثلاً أسود مضيء عدا عن دلالاته الفلسفية والعميقة المتجذرة تاريخياً في الامبراطورية الرومانية ، مثلاً أصبح لون الحداد وعلى مدى العصور ارتبط بالموت والسحر .. لكن تاريخياً أن أول من استخدم الأسود هو فنان العصر الحجري حيث اكتشافات كهف الاسكو في فرنسا رسومات للثيران من العظم المتفحم ، أما في مصر يرمز الأسود عند القدماء بالخصوبة والعطاء وكان لون أنوبيسي بالعالم السفلي

الذي اتخذ شكل ابن أوى ووقف سداً منيعاً بحماية الموتى من الشر ..

أما بالنسبة لي هناك ثلاثة ألوان استخدمتها لأترجم طريقة اغتيالنا هو لون البارود المتفحم بالأسود القاني ولون الدم الطازج المخضب بالأحمر … والغرق بالأزرق اللامتناهي .

الدفق العاطفي بين الفكرة والتقنية أيهما يفضل فرزات؟.

هنا المسألة تعود للموضوع هناك مواضيع يختارها الرسام أحياناً تحتاج الى تقنيات معقدة ، كما يفعل أنسليم كفر بأعماله الضخمة ويحتاج أيضاً من خلالها حتى إلى الاعتماد على آليات بناء وماشابه ..

وهناك مواضيع لاتحتاج إلى ذلك ربما فقط عبث بسيط كما يغعله الأطفال .. ونراه بعمق بتقنية فاتح مدرس مثلاً .. هناك تقنيات تأتي كردة فعل وسخرية عما يحدث من كوارث إنسانية كما فعل دوشامب بأن عرض بأحد الصالات يوما

مبولة وهكذا … أنا أقرب إلى تقنية الدفق العاطفي الذي لايتكرر وهو الأقرب إلى عبثية الطفل أو اذا ذهبنا ابعد من ذلك ربما يشابه رسومات الفنان الطاوي الذي يتأمل كائنات النهر ونباتاته لفترة طويلة ثم يرسمها بدقائق معدودة فقط ..

هذا ماقصدته بالدفق العاطفي .. وهذا لايعني التوقف هنا .. أنا من هواة التنزه بالعالم التشكيلي واكتشاف الأراضي البكر فيه .. يجعلني الأمر أن استخدم مواد وتقنيات وافكاراً أنا اصنعها .. بعيداً عن مزاج الصالات التي بعضها لايحبذ ذلك .

لكن الفن مرتبط بالحرية .. لذلك أنا أتمسك بأفكاري وتقنياتي كما أرغب أنا .

 ليل الفرات وأعواد الزل

أربع مراحل ناضجة ومتنوعة شهدتها الأعوام السبعة عشر الأخيرة أثناء رحلتك مع لوحاتك؛ هل حدثنا بإطالة عن هذه التجربة الفريدة والثرية؟ . مراحل عديدة مررت بها من بعد تخرجي من كلية الفنون بدءاً من غرفتي الرطبة بأحد أحياء دمشق الشعبية أثناء الدراسة والبحث في الجسد البشري وأبعاده الفلسفية والموسيقية والبحث عن شكله الآخر وتموجاته أثناء السكر من خلال حانات دمشق الشعبية والرخيصة .. والبحث في الأسطورة تلك المرحلة التي مررت بها سنوات عديدة قبل الهجرة ورسم الموت ..

مرحلة الأسطورة من المراحل المحطات المهمة كانت بحياتي .. مابين حتمية الموت أيضاً والخلود رسمت موت أنكيدو وحزن جلجامش العميق والأنثى المتمردة عشتار صاحبة الثور السماوي وحكايا ليل الفرات وأعواد الزل .. تلك التجربة استمرت عدة سنوات وعرضت بدمشق وتونس.. أنا كما قلت من هواة التنزه لا اقف عند تجربة واحدة ..

رسام من دون مختبر متجدد ..هو رسام ساذج حتماً.

 كثافة بصرية

كيف تمارس قواعد لعبك التجريدي؟.

التعبيرية التجريدية هي الأكثر حضوراً والأكثر جدلاً وكثافة بصرية ،تلك العاطفة المتأرجحة مابين الخط التجريدي واللون التعبيري أستطيع أن أفك الشيفرة والخيوط المتشابكة مابين ماينتج عن الصورة التراكبية القابعة بالدماغ وترجمتها على المساحة البيضاء التي أمامي ..

 

آخر الأخبار
مجلس تنسيق أعلى سوري – أردني..الشيباني: علاقاتنا تبشر بالازدهار .. الصفدي: نتشاطر التحديات والفرص  مشروع استجرار مياه الفرات إلى حسياء الصناعية للواجهة مجدداً  شحنة أدوية ومستلزمات طبية من "سانت يجيديو" السورية للتجارة تتريث في استثمار صالاتها  أسعار السيارات تتهاوى.. 80 بالمئة نسبة انخفاضها في اللاذقية .. د. ديروان لـ"الثورة": انعكاس لتحرير ا... الفواكه الصيفية ..مذاق لذيذ بسعر غال..خبير لـ"الثورة": تصديرها يؤثر على أسعارها والتكاليف غالية   لقاح الحجاج متوفر في صحة درعا  إصلاح خط الكهرباء الواصل بين محطتي الشيخ مسكين – الكسوة تطوير المهارات للتعامل مع الناجين من الاحتجاز القسري  تحديات صحية في ظل أزمات المياه والصرف الصحي.. "الصحة " الترصد الروتيني ونظام الإنذار المبكر لم يسجل... مدير تربية اللاذقية: أجواء امتحانية هادئة "فجر الحرية".. 70عملاً فنياً لطلاب الفنون بدرعا مبادرة أهلية بحماة لترميم مدرسة عبد العال السلوم سوريا وبريطانيا تبحثان تعزيز الشراكة لدعم الاستقرار التعليمي استعراض واقع الأحياء المتضررة في حمص وإعادة تأهيلها ليس مثل قبله وفرة بالغاز وإرهاق بالسعر ... مدير عمليات الغاز لـ"الثورة": توزيع 100 ألف أسطوانة يومياً ما فائدة تق... "روبرت فورد" يُثير الجدل: ماذا قال فعلاً في محاضرته عن "الشرع"..؟ الجوز "أوكتان" 25  مدير صحة حماة ل " الثورة " :  خدمات طبية أكثر كفاءة