الثورة- ترجمة هبه علي:
لم يكن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بجعل الرياض أول وجهة خارجية له في ولايته الثانية مجرد بادرة دبلوماسية، بل كان بمثابة بيان جيوسياسي.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية، كانت زيارة الأسبوع الماضي تأكيداً قوياً على مركزيتها المتنامية في النظام الدولي، وإشارة واضحة إلى أن واشنطن لا تزال تنظر إلى المملكة كركيزة أساسية للاستقرار والنفوذ في المنطقة، كما حققت الزيارة فوائد ملموسة، إذ أعادت تأكيد الروابط القديمة، ودشنت إطاراً عملياً للتعاون الثنائي القائم على المصلحة المشتركة والتوافق الاستراتيجي.
خلافاً للكثير من الضجيج في وسائل الإعلام الغربية، فإن العلاقة السعودية الأمريكية ليست علاقة مبادلة بالمعنى المبسط الذي يصور به غالباً، إنها مبنية على عقود من التوافق الاستراتيجي- على أمن الطاقة، والاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب.
ما حققته زيارة الرئيس ترامب هو إعادة صياغة تلك الشراكة في سياق عالمنا متعدد الأقطاب اليوم، باختياره الرياض كنقطة انطلاق لرحلاته الخارجية، أقر ترامب بقدرة المملكة العربية السعودية الفريدة على التأثير في كل من الديناميكيات الإقليمية والأسواق العالمية.
كان من أبرز نتائج الزيارة التحولية والتطلعية تسليط الضوء على الذكاء الاصطناعي، ومن أبرز الإعلانات مشروع مشترك بين AMD والمملكة العربية السعودية لتوريد رقاقات ذكاء اصطناعي متطورة لدعم البنية التحتية للبيانات المتنامية بسرعة في المملكة، تضع هذه الشراكة المملكة العربية السعودية في طليعة سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، وتؤكد عزمها على بناء القدرات، بل والريادة، في التقنيات التي ستحدد ملامح القرن المقبل.
رافق هذه المبادرة تكامل اقتصادي أوسع، أُعلن عن اتفاقيات استثمارية رئيسية في قطاعات مختلفة، منها أشباه الموصلات، والهيدروجين الأخضر، والتكنولوجيا المالية، والبنية التحتية السياحية، تمثل هذه الصفقات علاقة اقتصادية ناضجة، حيث تتدفق رؤوس الأموال في كلا الاتجاهين، وتعتبر المملكة العربية السعودية، بشكل متزايد، ليس فقط مستثمراً عالمياً، بل أيضاً إحدى أكثر وجهات الاستثمار الناشئة ديناميكية في العالم.
وحظي التعاون الأمني، الذي لطالما كان حجر الزاوية في العلاقات الثنائية، باهتمام متجدد، ورغم كثرة الحديث عن مبيعات الأسلحة، إلا أن المحور الحقيقي يكمن في التحول نحو الاكتفاء الذاتي الدفاعي، وشملت الاتفاقيات التي أعلن عنها خلال الزيارة نقل التكنولوجيا، ومبادرات الإنتاج المشترك، وإطاراً أكثر مرونة للمشتريات، ولا تقتصر المملكة العربية السعودية على شراء الأسلحة فحسب، بل تعمل أيضاً على بناء القدرات والبنية التحتية والخبرة المحلية.
هذا جزء من استراتيجية سعودية أوسع نطاقاً: الحفاظ على قوة ردع موثوقة في منطقة متزايدة التقلب، مع تقليل الاعتماد على أي شريك خارجي منفرد، يبدو أن إدارة ترامب تدرك هذه النقطة الدقيقة، وتوجه سياستها الدفاعية الأمريكية وفقاً لذلك، وسيستمر التعاون، ولكن بشروط تحترم السيادة السعودية وتطلعاتها إلى الاستقلال الاستراتيجي.
ساهمت هذه الزيارة في تعزيز التنسيق بين الرياض وواشنطن بشأن التهديدات الإقليمية، بما في ذلك القضايا المتعلقة بإيران والأمن البحري والجهات الفاعلة غير الحكومية، وتواصل المملكة العربية السعودية سعيها لإيجاد حلول سلمية للتوترات الإقليمية، لكنها لا تزال متمسكة بحاجتها إلى ضمانات أمنية، وقد وفرت زيارة ترامب هذه الطمأنينة، مع دعم جهود المملكة العربية السعودية في التواصل الإقليمي الأوسع، وبعيداً عن الاتفاقات الرسمية، كانت للزيارة قيمة رمزية هائلة.
باختصار، منحت زيارة الرئيس ترامب عام ٢٠٢٥ المملكة العربية السعودية ما كانت تصبو إليه بشدة: إعادة تأكيد قيمتها الاستراتيجية، وتأكيد مكانتها الاقتصادية، ومنصة لاستعراض هويتها الجديدة للعالم.
المصدر- The New Arab
