الثورة – ترجمة ختام أحمد:
كيف تستعد روسيا والولايات المتحدة وأوروبا لاحتمال الحرب، المأساة الكبرى هي أن هذه القضية برمتها كان من الممكن تجنبها لو لم تستسلم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون للغطرسة والتفكير الليبرالي، ولو أنهم اعتمدوا بدلاً من ذلك على الرؤى الأساسية للواقعية لما كانت الأزمة الحالية لتحدث.
على المستوى الأساسي، تبدأ الواقعية بالاعتراف بأن الحروب تحدث لأنه لا توجد وكالة أو سلطة مركزية يمكنها حماية الدول من بعضها البعض ومنعها من القتال إذا اختاروا القيام بذلك.
ترى الليبرالية السياسة العالمية بشكل مختلف، بدلاً من رؤية جميع القوى العظمى تواجه نفس المشكلة تقريباً، الحاجة إلى الأمان في عالم تكون فيه الحرب ممكنة دائماً – تؤكد الليبرالية أن ما تفعله الدول مدفوع في الغالب بخصائصها الداخلية وطبيعة الروابط فيما بينها.
إنها تقسم العالم إلى “دول جيدة” (تلك التي تجسد القيم الليبرالية) و”دول سيئة” وتؤكد أن الصراعات تنشأ في المقام الأول من الدوافع العدوانية للحكام المستبدين والديكتاتوريين وغيرهم من القادة (غير الليبراليين).
بعد الحرب الباردة، خلصت النخب الغربية إلى أن الواقعية لم تعد ذات صلة ومنفعة لنا وأن المثل الليبرالية يجب أن توجه سلوك السياسة الخارجية، اعتقد المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون أن الديمقراطية الليبرالية والأسواق المفتوحة وسيادة القانون والقيم الليبرالية الأخرى تنتشر كالنار في الهشيم وأن النظام الليبرالي العالمي أصبح في متناول اليد.
لقد افترضوا، أن “الحساب الساخر لسياسات القوة الخالصة” لا مكان له في العالم الحديث وأن النظام الليبرالي الناشئ سوف ينتج عقوداً عديدة من السلام الديمقراطي.
لو كانت هذه الرؤية الوردية دقيقة، لكان نشر الديمقراطية وتوسيع نطاق الضمانات الأمنية الأمريكية في نطاق النفوذ التقليدي لروسيا سيقلل من المخاطر.
حذر الواقعيون في أمريكا من التوسع، لكن الليبراليين مؤيدي التوسع فازوا بالنقاش من خلال الزعم أنه سيساعد في توطيد الديمقراطيات الجديدة في شرق ووسط أوروبا وخلق “منطقة سلام شاسعة” في جميع أنحاء أوروبا.
علاوة على ذلك، أصروا على أن النوايا الحميدة لحلف الناتو كانت بديهية وأنه سيكون من السهل إقناع موسكو بعدم القلق مع زحف الناتو بالقرب من الحدود الروسية. كان هذا الرأي ساذجاً إلى أقصى حد، لأن القضية الرئيسية لم تكن ما قد تكون عليه نوايا الناتو في الواقع. ما كان مهماً حقاً، بالطبع، هو ما اعتقده قادة روسيا أنهم سيكونون أو قد يكونون في المستقبل.
لو أن صانعي السياسة الأمريكيين فكروا في تاريخ بلادهم وحساسياتهم الجغرافية، لكانوا قد فهموا كيف ظهر هذا التوسع، إن الولايات المتحدة قد أعلنت مراراً وتكراراً أن نصف الكرة الغربي محظور على القوى العظمى الأخرى وهددت أو استخدمت القوة في مناسبات عديدة لجعل هذا الإعلان ثابتاً.
ومما يضاعف الخطأ إصرار الناتو المتكرر على أن التوسيع عملية مفتوحة وأن أي دولة تفي بمعايير العضوية مؤهلة للانضمام.
الخطأ التالي كان قرار إدارة بوش ترشيح جورجيا وأوكرانيا لعضوية الناتو في قمة بوخارست 2008 من اللافت للنظر أن المسؤولين في أوروبا والولايات المتحدة لم يسألوا أنفسهم أبداً عما إذا كانت روسيا قد تعترض على هذه النتيجة أو ما الذي قد تفعله لإخراجها عن مسارها.
نتيجة لذلك، أصيبوا بالصدمة عندما أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم ودعم الناطقين بالروسية في المقاطعات الشرقية لأوكرانيا، لقد أوضح الرئيس الأمريكي جو بايدن بالفعل أن الولايات المتحدة لن تخوض حرباً للدفاع عن أوكرانيا، ومع ذلك، يبدو أن فريق التفاوض الأمريكي لا يزال يصر على أن تحتفظ أوكرانيا بخيار الانضمام إلى حلف الناتو في وقت ما في المستقبل، وهو بالضبط النتيجة التي تريد موسكو حجبها.
إذا أرادت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي حل هذه المشكلة عن طريق الدبلوماسية، فسيتعين عليهما تقديم تنازلات حقيقية وقد لا يحصلان على كل ما يريدانه، وهذا هو الثمن الذي يجب دفعه مقابل التوسع غير الحكيم لحلف الناتو بما يتجاوز الحدود المعقولة.
أفضل أمل للتوصل إلى حل سلمي أن تأخذ أوكرانيا زمام المبادرة وتعلن أنها تنوي العمل كدولة محايدة لن تنضم إلى أي تحالف عسكري، يجب أن تتعهد رسمياً بعدم الانضمام إلى عضوية الناتو وستظل حرة في التجارة مع أي بلد والترحيب بالاستثمار من أي بلد، وينبغي أن تكون حرة في اختيار قادتها دون تدخل خارجي.
بقلم ستيفن إم والت
المصدر: Foreign policy
