الثورة – عبد الحليم سعود:
من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية – ومعها حلف الناتو – تغامر بمستقبل العالم بافتعالها الحرب الدائرة حالياً في شرق أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، وهي حرب ما كان لها أن تحدث أصلاً لولا التدخل الأميركي والغربي بالشؤون الأوكرانية، و تحريض النظام الأوكراني الحالي على رفض الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الروسي منذ عام 2015 وإغرائه بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي الناتو، وهو من الخطوط الحمر بالنسبة لروسيا، فبعد “الثورة الملونة” التي صدرها الغرب لأوكرانيا عام 2014 من أجل إلحاقها بحلف الناتو أسوة بدول سوفييتية سابقة كليتوانيا واستونيا ولاتفيا ودول أخرى كانت جزءا من حلف وارسو كبولندا ورومانيا وبلغاريا والتشيك والمجر وسلوفاكيا وغيرها، تحولت أوكرانيا من دولة شقيقة وصديقة لروسيا إلى دولة ذات نزعة عدوانية تجاه روسيا وتشكل تهديدا خطيرا على أمنها القومي.
وطوال السنوات الماضية حافظت موسكو على قدر كبير من ضبط النفس إزاء جارتها المنخرطة في العداء لها والطامحة كي تكون رأس حربة للناتو في خاصرتها الغربية، واعتمدت موسكو كل أشكال الدبلوماسية والحوار مع كييف والعواصم الغربية كي تتجنب الصدام الجاري حالياً، وكان أبرز إنجاز يمكن أن يمهد للسلام ووقف حالة العداء هو اتفاق مينسك الذي وقع في شباط عام 2015 في العاصمة البيلاروسية.
فبعد فشل اتفاق “مينسك 1″، تم التوقيع على اتفاقات مينسك 2 في مسعى لوضع حد للنزاع الذي اندلع في منطقة دونباس جنوب شرقي أوكرانيا، وتم تنسيق الوثيقة التي تحمل اسم “مجموعة الإجراءات الخاصة بتنفيذ اتفاقات مينسك” في قمة عقدها في العاصمة البيلاروسية في 11-12 شباط 2015 زعماء دول “رباعية النورماندي” (روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا)، ووقعت عليها أيضا مجموعة الاتصال الخاصة بتسوية النزاع في شرق أوكرانيا (وهي تضم ممثلين عن حكومة أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك)، وفي 17 شباط 2015، تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا يدعم هذا الاتفاق.
وتضم الاتفاقية 13 بندا أبرزها “التنفيذ الصارم للوقف الفوري والشامل لإطلاق النار في مناطق معينة من منطقتي دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا في 15 من شباط 2015 “، و”قيام كلا الجانبين بسحب جميع الأسلحة الثقيلة على مسافات متساوية من بعضهم البعض من أجل إنشاء منطقة آمنة.
كما تنص الاتفاقية على “بدء الحوار في اليوم الأول بعد الانسحاب بشأن طرق إجراء الانتخابات المحلية وفقا للتشريعات الأوكرانية وقانون أوكرانيا بشأن النظام المؤقت للإدارة الذاتية المحلية في مناطق معينة من منطقتي دونيتسك ولوغانسك، وكذلك بشأن النظام المستقبلي لهذه المناطق على أساس هذا القانون”، و”إجراء إصلاح دستوري في أوكرانيا مع دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ بحلول نهاية عام 2015، والذي يفترض أن اللامركزية عنصر أساسي مع مراعاة خصائص مناطق محددة من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، المتفق عليها مع ممثلي هذه المناطق، وكذلك اعتماد تشريع دائم بشأن الوضع الخاص لمناطق محددة من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك وفقاً للتدابير المحددة في الملاحظة1، حتى نهاية عام 2015”.
ولكن كييف بأوامر وإملاءات أميركية وإغراءات لها بالانضمام للناتو لم تلتزم بالاتفاقية، وقامت بخرقها مراراً وتكرارا خلال السنوات الماضية، حيث تتحدث بعض الإحصائيات الروسية عن سقوط ما يقرب من 15 ألف قتيل في جمهوريتي الدونباس، الأمر الذي دفع القيادة الروسية للاعتراف باستقلال جمهوريتي الدونباس وشن عملية عسكرية خاصة للحفاظ على حياة المدنيين فيهما، ونزع سلاح أوكرانيا المهدد للسلام والأمن في هذه المنطقة الحساسة والحيوية بالنسبة للأمن القومي الروسي والحيلولة دون انضمام كييف إلى الناتو.
لا أحد يستطيع التشكيك بشرعية المخاوف الروسية إزاء توسع الناتو في محيطها الاستراتيجي الحيوي، فمنذ سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 وانهيار حلف وارسو، والولايات المتحدة تقوم بتوسيع حلف الناتو شرقاً لمحاصرة روسيا والتضييق عليها، ففي عام 1999 انضمت دول مجموعة فيسغراد وهي هنغاريا وبولندا وجمهورية التشيك إلى الناتو، أما في عام 2004 فقد انضمت إلى الحلف دول مجموعة “فيلنيوس” وهي بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا.
وفي عام 2009، وافق حلف الناتو على انضمام ألبانيا وكرواتيا، وليبلغ عدد أعضائه 30 دولة مع انضمام الجبل الأسود عام 2017 ومقدونيا الشمالية عام 2020. ومؤخرا، تم إدراج ثلاث دول هي البوسنة والهرسك وجورجيا وأوكرانيا تحت فئة الدول الطامحة للانضمام.
علي اسماعيل, [٠١/٠٣/٢٠٢٢ ٠٢:٤٤ م]
[Forwarded from غدير 2]
ورغم ادعاء الدول الغربية أن حلف الناتو هو تحالف دفاعي موجه لردع الطموحات التوسعية للاتحاد السوفييتي الذي لم يعد موجودا، إلا أن الحلف شارك في حروب عدوانية عديدة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في التسعينات وبداية الألفية الثالثة، حيث قام بتدمير وتفكيك يوغسلافيا، كما غزا كلا من العراق وأفغانستان، وقام بالعدوان على ليبيا وإسقاط نظامها عام 2011 بعد أن قام بخداع روسيا ومجلس الأمن الدولي، كما تدخل في الحرب على سورية ودعم الإرهاب فيها، وهو لا يكف بتاتاً عن التحرش بروسيا والصين ودول أخرى، بزعم تعزيز أمن أعضائه، ولعل الأكثر استهجانا هو تذرعه بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الخاصة بحق الدفاع عن النفس، رغم أن دوله وخاصة الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر خوضاً للحروب وإثارة النزاعات حول العالم، ولعل الأزمة الحالية في أوكرانيا والتي يخشى أن تتحول إلى حرب نووية تقدم أكبر دليل على أن الناتو هو من يفتعل الأزمات ويحرض على الحروب ويقدم الأسلحة بدل البحث عن الحلول السياسية والسلام.