الثورة- نور جوخدار
بعد شهور من التوترات والمواجهات التجارية والهجوم الحمائي الذي شنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الاتحاد الأوربي والذي أمهله حتى الأول من آب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 30% على منتجاته، توصل الطرفان إلى اتفاق تجاري وصفه ترامب بأنه “الأعظم على الإطلاق”، معتبراً أنه يشكل “وعداً بالوحدة والصداقة”.
الاتفاق جاء عقب مفاوضات مباشرة جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في ملعب ترامب تورنبري للغولف في جنوب أيرشاير، إسكتلندا، والتي رحبت به واعتبرته “جيداً” و”كفيلاً بتحقيق الاستقرار في العلاقات عبر الأطلسي”.
الاتفاق ينص على فرض رسوم جمركية أميركية موحدة بنسبة 15% على جميع صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك السيارات التي تُفرض عليها الآن رسوم بنسبة 27.5%، أشباه الموصلات، وبعض المنتجات الدوائية، في حين استُثنيت جميع الطائرات ومكوناتها وبعض الأدوية المقلدة والمواد الكيماوية وبعض المنتجات الزراعية والموارد الطبيعية والمواد الخام الأساسية، وستُضاف منتجات أخرى لاحقاً، أما بالنسبة للمشروبات الروحية، فلم يُحدد وضعها بعد.
كما أكدت واشنطن أنها ستُبقي الرسوم على صادرات الصلب والألمنيوم الأوروبية عند نسبة 50% مؤقتاً على أن يُستبدل ذلك بنظام حصص لاحقاً.
وفي المقابل، وافق الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة فتح سوقه بشكل أوسع أمام المنتجات الأميركية، وأعلن التزامه بضخ استثمارات بقيمة 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، خلال فترة ولاية ترامب الثانية وشراء معدات عسكرية أميركية بمئات المليارات الدولارات.كما تعهد الاتحاد بشراء الغاز الطبيعي المسال الأميركي بقيمة 250 مليار دولار سنوياً على مدار ثلاث سنوات، بقيمة إجمالية 750 مليار دولار، ما اعتُبر خطوة لتقليل الاعتماد الأوروبي على مصادر الطاقة الروسية.
وأشاد الوفدان الأميركي والأوروبي بالاتفاق بعد ساعة من الاجتماع، وخلال إعلان رسمي حافل، أكدت المفوضية الأوروبية أن البنود المتعلقة بالرقائق الإلكترونية وبعض الصناعات الدوائية ستخضع لتحقيقات إضافية أميركية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن ما أُطلق عليه “ورقة تفاوضية منفصلة”.
وبلغ إجمالي التبادل السلعي بين الجانبين نحو 976 مليار دولار، منها 606 مليارات واردات أميركية من الاتحاد الأوروبي العام الماضي، مقابل 370 مليار دولار صادرات أميركية نحو القارة العجوز.
ومن المتوقع أن تحقق الولايات المتحدة من الرسوم الجديدة نحو 90 مليار دولار سنوياً، بحسب التقديرات الرسمية.
ويؤكد اتفاق تورنبري أن التجارة عبر الأطلسي دخلت عصراً جديداً هو عصر الحمائية الأميركية بينما تعرض لانتقادات حيث قال اتحاد الصناعات الألمانية (بي دي أي) مساء أمس الأحد، إن “الاتفاق هو تسوية غير كافية ويرسل إشارة كارثية إلى الاقتصادات المترابطة بشكل وثيق على جانبي المحيط الأطلسي”، مضيفاً أن الاتحاد الأوروبي يقبل رسوماً جمركية مؤلمة، ومن المتوقع أن تكون لمعدل 15% عواقب سلبية كبيرة.
من جانبه، قال الوزير الفرنسي المنتدب للشؤون الأوروبية بنجامان حداد، اليوم، إن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول الرسوم الجمركية على المنتجات الأوروبية يوفر “استقراراً موقتاً” لكنه “غير متوازن”، وكتب الوزير عبر إكس “سيوفر الاتفاق التجاري الذي تفاوضت المفوضية الأوروبية بشأنه مع الولايات المتحدة استقراراً مؤقتاً للأطراف الاقتصادية المهددة بالتصعيد الجمركي الأميركي، لكنه غير متوازن”.
بدورها، نددت أحزاب المعارضة في فرنسا، بالاتفاق التجاري، وقالت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب التجمع الوطني مارين لوبن إن الاتفاق “فشل سياسي واقتصادي وأخلاقي”.
وأضافت لوبن: “لقد قبلت المفوضية الأوروبية بنوداً غير متكافئة ما كانت فرنسا، في ظل سلطة تنفيذية وطنية، لتقبلها أبداً، ينبغي استيراد مئات المليارات من اليورو من الغاز، بالإضافة إلى الأسلحة سنوياً من الولايات المتحدة”، متحدثة عن “تخل كامل عن الصناعة الفرنسية، وعن سيادة فرنسا في القطاعين الطاقي والعسكري”.
ورغم الانتقادات الموجهة لسياسة ترامب التجارية يبدو أن واشنطن نجحت في انتزاع اتفاق يعزز عوائدها المالية، ويكرس ما يوصف بعصر الحمائية.. في المقابل، ربح الأوروبيون استقراراً مؤقتاً وشراكة استراتيجية وسط تساؤلات حول تأثير هذه الخطوة على سيادة القرار التجاري داخل الاتحاد الأوروبي.