الثورة – عمار النعمة:
في عالم تتسارع فيه التحولات الاجتماعية، لم تعد اللغة مجرد وسيلة للتواصل، بل غدت أداة لإنتاج المعاني وتشكيل الواقع، من هنا، يكتسب كتاب تحليل الخطاب– التحليل النصي في البحث الاجتماعي للمفكر البريطاني نورمان فاركلوف أهمية استثنائية، وبترجمة دقيقة للدكتور طلال وهبة، ليعيد تعريف النصوص بوصفها منتجات اجتماعية وثقافية، لا تنفصل عن سياقاتها ولا عن القوى التي تشكلها.
التحليل النقدي للخطاب، كما يطرحه فاركلوف، ليس مجرد تفكيك لغوي للنصوص، بل هو محاولة لفهم كيف تُستخدم اللغة في تشكيل الهوية، وتوجيه الرأي العام، إنه جسر بين اللسانيات والعلوم الاجتماعية، حيث وضع النص في قلب الحياة اليومية، وقدمه بوصفه انعكاساً للعلاقات الاجتماعية والسياسية.
يقسم المؤلف كتابه إلى أربعة أقسام رئيسة:
– التحليل الاجتماعي وتحليل الخطاب والتحليل النصي: مدخل نظري لفهم العلاقة بين اللغة والمجتمع.
– الأصناف والفعال: تصنيف النصوص وفق وظائفها الاجتماعية.
– ضروب الخطاب والمثليات: دراسة أنماط الخطاب وتمثيلاته في السياقات المختلفة.
– الأساليب والهويات: كيف تعكس اللغة أساليب الأفراد وهوياتهم الاجتماعية.
في مقدمة الكتاب، يكشف الدكتور وهبة عن التحديات التي واجهته أثناء نقل النص إلى العربية، خاصة في ترجمة المصطلحات الدقيقة التي تصف بنية النصوص الإنجليزية، فقد تطلب الأمر العودة إلى التراث النحوي العربي لصياغة مفاهيم واضحة، تحافظ على روح النص الأصلي وتخاطب القارئ العربي بعمق وشفافية.
لا يخاطب الكاتب اللغويين فقط، بل يوجه كتابه إلى الباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، من أمثال علماء الاجتماع والسياسة والتربية والثقافة، الذين قد لا يملكون خلفية لغوية متخصصة، كما يخاطب المتخصصين في اللغة، داعياً إياهم إلى تجاوز التحليل البنيوي، والانفتاح على البعد الاجتماعي للنصوص.
يرى فاركلوف أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي أداة لفهم العالم، تعكس العلاقات بين الجماعات، وتصدر عن أفراد يشغلون مواقع معينة في المجتمع، ومن هنا، فإن تحليل النصوص لا يكتمل دون فهم السياق الاجتماعي الذي أنتجها، ولا دون إدراك القوى التي تتحكم في إنتاجها وتداولها.
يشكل هذا الكتاب دعوة مفتوحة للباحثين العرب، في مجالي اللغويات والعلوم الاجتماعية، للاطلاع على هذا التيار الفكري الرائد، الذي يمنح النصوص بعداً جديداً ويعيد للغة مكانتها كفاعل اجتماعي وثقافي وسياسي.
“تحليل الخطاب – التحليل النصي في البحث الاجتماعي” ليس مجرد كتاب أكاديمي، بل هو أداة لفهم العالم من خلال اللغة، ونافذة لفك شيفرات الخطاب الذي يحيط بنا في الإعلام والسياسة والتعليم والثقافة، إنه كتاب يستحق الوقوف عنده والتغلغل في تفاصيله.