ظاهرة هروب الطلاب من المدارس تتفشى في حلب.. والحدائق وصالات الألعاب تعج بالمتسربين.. فمن المسؤول..؟؟
الثورة – تحقيق – جهاد اصطيف:
ظاهرة الهروب أو التهرب من المدرسة وخاصة في مرحلة التعليم الثانوي أو في الحلقة الثانية من التعليم الأساسي بدأت تتفشى وتنتشر في مدينة حلب، وبات تلاميذ وطلاب المدارس ينتشرون في الساحات والحدائق وصالات الألعاب يقضون فيها معظم وقتهم حتى يحين وقت الانصراف فيعودون إلى بيوتهم وكأن شيئاً لم يكن، ودون أن نلحظ أي تحرك من المؤسسة التربوية أو من المؤسسات الاجتماعية أو من الجهات التنفيذية ذات الصلة بقمع تلك المظاهر. *هروب بأشكال مختلفة.. عادة ما يصنف هروب الطالب من المدرسة بداية بهروب قبل الدوام المدرسي، حيث يوهم الطالب أسرته أنه ذاهب إلى المدرسة وبمجرد خروجه من المنزل، إما أن يتجه باتجاه آخر أو أنه عندما يصل إلى مدخل المدرسة فلا يدخل ويبقى خارجاً ويذهب إلى أي مكان كـ “الحدائق – محلات الأنترنت أو ليمارس الرياضة، والأغلب على ما يبدو يذهب للشوارع العامة والأسواق، أو إلى أحد بيوت الأصدقاء”، حتى انتهاء فترة الدوام فيعود للبيت مع توقيت انصراف الطلاب، أو هروب ضمن وقت الدوام، إما هروب كلي من المدرسة وذلك بأن يخرج أثناء الدوام من المدرسة فيحضر حصة أو حصتين أو أكثر ثم يقرر الهرب من خلال سور المدرسة بعد تسلقه أو من الباب الرئيسي للمدرسة بمغافلة الآذن،
وقد يقدم عذراً مثل إصابته بمرض مفاجئ وغالباً ما يكون هذا العذر غير مقنع بالنسبة لجميع الأطراف، وأخيراً هروب من حصة فقط، وهنا لا يخرج من المدرسة بل يخرج خلال إحدى الحصص الدرسية إلى ملعب المدرسة مع الطلاب الذين لديهم تربية رياضية أو أن يتجول بممرات المدرسة وبين مداخلها بهدف ألا يلحظه أحد ويبقى هكذا حتى نهاية الحصة المذكورة وبعدها يعود لصفه ليحضر ما تبقى من الحصص الأخرى.
* أسباب ومسببات..
عادة تكون أعمار الطلاب الذين تتكرر لديهم حالات الهرب في بداية سن المرحلة الثانوية، وتعود ظاهرة الهروب إلى أسباب عدة، منها أسرية وعدم متابعته في البيت والمدرسة وتركه يهمل واجباته وعدم سؤاله عن دروسه ونتائج اختباراته وبالتالي فإنه لا يشعر بهذا الإهتمام من قبل أسرته فيبدأ تدريجياً بالغياب وإيجاد الأعذار لعدم الذهاب للمدرسة بحجة أنه مريض أو أي عذر آخر. *المدارس أحد الأسباب… ! الطالب ” ع ” في الصف الأول الثانوي كان هو وزمرة من زملائه يلعبون “الشدة” في الحديقة العامة أثناء الدوام المدرسي رأيناهم صدفة تحدث قائلاً: أعاني من الذهاب إلى المدرسة لأن لا أحد يهتم بي من قبل أسرتي وبالتالي أجد الأعذار لعدم الذهاب، ولعل السبب المهم الثاني الذي أراد أن يخبرنا به سببه إدارة المدرسة ومعلميها، الأمر الذي ولد لديه كما أقرانه على حد قولهم الرغبة المتزايدة للهروب باستمرار… زميل آخر له قال إنه يعاني من عدم فهم لمادة اللغة بالإضافة إلى أن طريقة شرح المدرس للمادة بالنسبة له غير واضحة وغير كافية، لذلك سرعان ما تجدني ومن مثلي نهرب من الحصة.
*أسباب أخرى..
باعتقادنا أن هناك أسباباً أخرى محيطة بالطالب، تجعله يلجأ للهروب من المدرسة كأصدقاء السوء أو من هم خارج المدرسة فيشجعونه على الهرب، فيهرب معهم من المدرسة، وهنا تكمن الخطورة الأكبر، والخوف من انزلاق هؤلاء إلى القيام بأفعال غير محمودة أبداً وتضر به وبهؤلاء على حد سواء، هذا فضلاً عن الأسباب النفسية أو الشخصية للطالب كالخوف من المدرسة أو المعلم أو حتى من الطلاب.. الطالب ” س” يتحدث لنا عن أنه يشعر بالخوف من المدرسة و المعلمين وأن الطلاب الذين في صفه يقومون بالسخرية منه والاستهزاء لأنه بطيء مثلاً في الاستيعاب. أما الطالبة ” أ ” تقول: إني لا أستطيع التكيف مع طالبات في صفي لأني رسبت في السنة الدراسية، والطالبات اللواتي معي أصغر مني في السن لذلك أشعر بنوع من النقص. *مسؤولية من..؟ نعتقد هنا أن الاهتمام بوقت الفراغ لدى الشباب وتعبئته داخل المدرسة أو خارجها والسعي لأن ينظر الطالب إلى مدرسته كمؤسسة اجتماعية تربوية تعليمية ترفيهية لا يقتصر دورها على التعليم فقط تعد مجتمعة من أهم عوامل القضاء على هذه الظاهرة، وإذا أردنا أن نحمل إدارة المدرسة المسؤولية، نسأل هنا لماذا نجد الانضباط والمتابعة حاضرة في مدارس البنات عكس مدارس البنين..؟ فالمسؤولية باعتقادنا هنا تقع على الجميع لاحتواء تلك الظاهرة وحتى لا يصاب مستقبل أبنائنا بأي ضرر لا سمح الله.
*بحاجة إلى متابعة..
وللتوضيح أكثر يرى مدير ثانوية المأمون “حسن سليم” أن الفكرة السائدة والمغلوطة والتي تبلورت لدى شريحة معينة من الطلاب هي أن صفوف السابع والثامن والعاشر والحادي عشر هي مراحل انتقالية عابرة، والاهتمام يجب أن ينصب على مرحلتي شهادتي التعليم الأساسي والثانوي فقط لا غير، ولا ننسى ضعف المتابعة من قبل أولياء الأمور من حيث التواصل النفسي والتربوي السليم مع الأبناء والمدرسة بشكل عام، وضرورة المتابعة الدقيقة من قبل الجهاز الإداري في المدرسة وتطبيق القوانين والأنظمة بشكل فعال. *التنسيق مع الأهل.. فيما تحدثت مديرة ثانوية معاوية للبنات “بتول حاج إسماعيل” عن أهمية امتلاك إدارة المدرسة آليات للتأكد من تواجد الطلاب في المدرسة على مدار اليوم، وأن يتم إبلاغ أحد الوالدين أو من يقوم برعاية الطالب بغياب ابنهم عن المدرسة والاستفسار عن سبب الغياب وإن كان بعلمهم أم من غير علمهم، كما يجب أن يتم ذلك بشكل شخصي وليس بواسطة الطالب نفسه أو بوسيلة أخرى، إلى جانب دور المرشد النفسي في فهم دوافع الطالب للهروب من المدرسة والتعامل معها بالتنسيق مع الأهل.
• تربية حلب تقر بوجود الظاهرة ..!
بدورنا حملنا أسباب ومسببات هذه الظاهرة وتوجهنا بها لمديرية التربية بحلب ، حيث أفادتنا بداية بالقول : إن ظاهرة هروب الطلاب من المدارس ظاهرة تكاد تكون معدومة في مرحلة التعليم الأساسي، والظاهرة موجودة بنسب متفاوتة في المدارس الثانوية وفقاً لآلية ضبط الإدارة لها، والإجراءات التي يتم اتخاذها هي توجيه الإنذار للطالب بعدم تكرار الهروب ثم الإحالة إلى المرشد النفسي في الثانوية وفي حال تكرار الحادثة يتم استدعاء ولي الأمر.
وعن رأي مرشد أو مرشدة اجتماعية حول كيفية وإمكانية القضاء على هذه الظاهرة؟ .
جاءنا الرد بأن للمرشد النفسي دور فعال من خلال متابعة الحالات الفردية المتعلقة بالمشكلة وتوضيح أسبابها ومساعدة الطلاب في تخطيها والتركيز على المواهب والقدرات والإمكانات واستثمارها إيجابياً بما يعزز حالة الإنتماء للمدرسة، وكون الطالب يمر بمرحلة المراهقة وتحدث تغيرات هرمونية في جسمه ويكون حساسا جدا، فقد تعود الأسباب لاضطرابات نفسية أو اكتئاب يعاني منها الطالب تعود لعوامل اجتماعية واقتصادية كالوضع المعيشي المتدني للأهل أو الطلاق إلخ..
والأمر لا يقتصر على الهروب من المدرسة في ساعات الدوام الرسمي فأحيانا يكون هروبا فكريا ، حيث نرى الطالب شارد الذهن أي حاضر جسدا وغائب ذهنا ويغلب عليه الإرهاق والتعب إما بسبب مشاكله الخاصة في البيت أو بسبب قضاء وقت طويل في اتباع الدورات الخصوصية.
• المطلوب تعاون الجميع ..
ربما من الصعب تغيير مفاهيم خاطئة ترعرعت مع الزمن في نفوسنا، وباتت تمثل سدا منيعا أمامنا ، فمع تطور العلم ، واتساع رقعة التعليم أصبحت المشاكل تحل والمعوقات تذلل، ونكاد نجزم هنا أن المسؤولية بمدلولها الإيديولوجي تتطلب جهدا وحرصا كبيرا ونظرة لدقة مفهومها وخطورة أبعادها ، فظاهرة هروب الطلاب من المدارس بحاجة إلى وقفة جادة من الجهات المختصة وتعاون مثمر من الجميع.
تصوير خالد صابوني