الثورة – سنان سوادي:
بدأت حكايتي مع تربية دودة الحرير عام 2017 بعد أن اتبعت دورة تدريبية في مديرية الزراعة باللاذقية. ويضيف المربي فاطر معروف من قرية القنجرة في حديثه لصحيفة الثورة: قُدمتْ لي خلالها الوعود بالدعم والمتابعة، لكن الأمور كانت تزداد سوءاً عاماً بعد عام، فعلب البيوض التي كانت توزع علينا مجاناً بيعت لنا العام الماضي بـ300 ألف ليرة، وفي الطور الثاني مات منها أكثر من 90 بالمئة، وهذا العام توقف توزيع البيوض. وبيَّن أن كل علبة بيوض تحتوي على 18 – 20 ألف يرقة تنتج 30 – 35 كغ من الشرانق، لكن علب البيوض التي كانت تعطى من قبل مديرية الزراعة لم تنتج سوى 15 كغ، مضيفاً: لم نتمكن من بيع سوى كمية قليلة من الإنتاج، لذلك تركنا التربية وهجرنا المهنة.
ثلاثة مربين فقط
خبيرة تربية دودة القز باللاذقية، وصاحبة نادي تربية القز الإلكتروني سحر حميشة، أوضحت أن عدد المربين في اللاذقية هذا العام لم يتجاوز الثلاثة، والإنتاج العشرة كغ، وتراجعت المهنة بعد إغلاق معمل الحرير في الدريكيش، وذلك لانعدام التصريف. وبينت أن تربية دودة الحرير تمر بمراحل متعددة مترابطة، ووجود ضعف في مرحلة ما، يصيب بقية المراحل بالضعف، فمثلاً حالياً لا يوجد في اللاذقية من يعمل كحلّال للشرانق (تحويل الشرانق إلى خيط). لافتة إلى وجود صعوبات وعوائق كثيرة، أهمها انعدام التصريف تقريباً، وعدم توفر معدات التربية الحديثة، وقلة تواجد شجر التوت، لذلك يجب تشجيع المزارعين على زراعة التوت البلدي أو الياباني أو الصيني، ودعم المربين بمعدات التربية الحديثة كمعدات التشرنق، وإقامة ورشات تدريب مع المتابعة فيما بعد، وتصريف الإنتاج بسعر مناسب ليكون لهذه المهنة مردود اقتصادي يشجع المزارع على العمل بها، فالنهوض بالمهنة يقع على عاتق الدولة عموماً لا على الأفراد.
أسباب أثّرت على المهنة
الباحث في هذا المجال، صفوان داؤد أكد أن صناعة الحرير تأثرت بجملة معقدة من الأسباب السياسية والاقتصادية والمناخية، عانى خلالها العاملون ظروفاً قاسية، فتربية دودة الحرير حجر الأساس في هذه الصناعة، وهي من المهن التراثية التقليدية التي تكاد تختفي من الساحل السوري، وذلك نتيجة عوامل، أهمها تراجع أعداد أشجار التوت المروية، وقلة انتشار أحراش التوت البعلية نتيجة التغير المناخي وسوء السياسات الزراعية الحكومية. كما تعاني المهنة من نقص الأدوات الحديثة بالتربية، وندرة مهنة الحلّال ( الشخص الذي يقوم بتحويل شرانق القز بأداة تقليدية تسمى الدولاب إلى خيط حرير)، إذ كان يوجد في ريف اللاذقية أكثر من عشرين حلّالاً، والآن واحد فقط واحد.
مشروع متوقف..!
صحيفة الثورة، تواصلت مع مديرية الزراعة باللاذقية من خلال المكتب الصحفي للوقوف على واقع تربية دودة الحرير (القز) والدعم الذي يقدم للمربين من مستلزمات إنتاج وتسويق وغيرها، فكان الرد بأن “مشروع دودة الحرير متوقف حالياً لعدم توفر البيوض”. يحتاج إلى جهة راعية من جهته، أوضح نقيب المهندسين الزراعيين في اللاذقية المهندس ثابت علي، أن النهوض بهذه المهنة يحتاج إلى جهة راعية تقوم بتأمين مستلزمات الإنتاج كافة، ولدينا كل مقومات النجاح، والعملية متكاملة بدءاً من التربية وتأمين مستلزماتها الحديثة، وتدريب المربين على استخدامها وصولاً إلى تصريف الإنتاج بأسعار مربحة للمربين والاهتمام بقطاع صناعة النسيج، لافتاً إلى أن سوريا من الدول العريقة في إنتاج وصناعة الحرير.
مجدية اقتصادياً
بدوره، أشار اختصاصي الحشرات الاقتصادية في كلية الزراعة بجامعة اللاذقية الدكتور خليل ميكس إلى أن سوريا عرفت تربية دودة الحرير وصناعة الحرير منذ القرن الأول الميلادي، وبلغ عدد الأنوال اليدوية في القرن التاسع عشر في دمشق ثلاثة آلاف، وفي حلب ستة آلاف، وعدد العاملين في نسيج الحرير نحو 20 ألفاً في دمشق و30 ألفاً في حلب. ونوه بأن التربية مجدية من الناحية الاقتصادية، وتحتاج رأس مال قليل، ودورة المال أقل من شهرين، وتصل جدواها على مستوى الأسرة إلى 114بالمئة، وعلى مستوى المشروع المتوسط لـ 29,4 بالمئة وعلى مستوى المشروع الكبير 43 بالمئة، وتشكل المرأة نحو 90 بالمئة من قوة العاملين.
تقليدية
وأضاف: لا تزال طرق تربية دودة الحرير تقليدية، وتمارس من المزارعين كنشاط ثانوي على هامش المزرعة، وتتراجع عاماً بعد عام من حيث إنتاج الشرانق، فبعد أن كان الإنتاج 360 طناً عام 1970، انخفض إلى 42 طناً عام 1999. وأوضح أن لتربية دودة الحرير جانبين، الأول زراعي: يبدأ من زراعة التوت وإنتاج البيوض وتربية ديدان الحرير، وينتهي بقطف شرانق الحرير وإعدادها لإنتاج الحرير الخام.
والثاني صناعي: يشمل حل شرانق الحرير وإنتاج الخيوط وصباغتها وإعدادها لصناعة المنسوجات المختلفة.
وحتى الآن لا يوجد تفريق بين الجانبين، وقد تخلت الدولة عن دعم تربية دودة الحرير وإنتاج الحرير الخام منذ عام 1980، ولا يوجد حالياً أي جهة مسؤولة عن إنتاج الحرير وصناعته وتسويقه.
معوقات ومشكلات
تواجه تربية دودة الحرير مجموعة من المعوقات، أهمها – حسب د. ميكس- قلة أو عدم توفر الحيازات الزراعية الكبيرة للمربين، وقلة أو عدم توفر أصناف التوت ذات النوعية المميزة والجيدة، ولم تلق هذه الشجرة الاهتمام الكافي على المستوى الرسمي، إضافة إلى عدم توفر أجهزة وأدوات التربية الحديثة، ما يؤدي إلى إنتاج شرانق حرير ذات مواصفات سيئة ومردود ضعيف.
يضاف إلى المعوقات عدم توفر أماكن التربية الحديثة ( غرف ـ مبانٍ ـ عنابر )، وقلة خبرة المربين بطرق التربية الحديثة، وارتفاع أسعار علبة بيض دودة الحرير، بسبب استيرادها من الخارج، وعدم وجود جهة مسؤولة عن تمويل المربين وتقديم الدعم لهم، وعدم وجود تصريف للمنتج، بسبب ابتعاد المستثمرين عن العمل في مجال إنتاج وتصنيع المنتجات الحريرية، ودخول خيوط الحرير الصناعية ومنافستها لخيوط الحرير الطبيعي.
مقترحات
يرى د. ميكس أن عملية تربية دودة الحرير مربحة على جميع المستويات، لذلك لابد من وضع خطة تشرف عليها وزارة الزراعة، تبدأ من التوسع في زراعة أشجار التوت، وإنشاء مراكز متعددة لتفقيس البيض وتوزيعه على المربين، وتقديم قروض مالية ومساعدات عينية وخبرات فنية للأسرة الريفية والأشخاص المستثمرين، وإقامة دورات تدريبية لشرح الأساليب الحديثة بالتربية والتي ترفع إنتاج كمية علبة البيض الواحدة من الشرانق إلى 40 كغ، وأن تعمل وزارة الصناعة على تنشيط صناعة المنتجات الحريرية، وتأمين المستلزمات الضرورية لها، إقامة مشاريع متوسطة وكبيرة وطرحها على المستثمرين المحليين، دعوة الشركات الأجنبية الكبيرة للاستثمار في هذا المجال.