الثورة – بسام مهدي
في ظل تصاعد التهديدات الرقمية عالمياً، وتنامي الاعتماد على البنى التحتية الرقمية في إدارة شؤون الدول، لم يعد الأمن السيبراني خياراً، بل ضرورة وطنية واستراتيجية. وتأتي زيارة وزير الاتصالات وتقانة المعلومات عبد السلام هيكل إلى المركز الوطني للأمن السيبراني في المملكة الأردنية الهاشمية، لتشكل خطوة بالغة الأهمية ضمن مسار بناء منظومة متكاملة للأمن السيبراني في سوريا، والاستفادة من التجارب الإقليمية الرائدة في هذا المجال.
إطار قانوني وتنظيمي متقدم
اللقاء الذي جمع الوفد السوري بمسؤولي المركز الأردني للأمن السيبراني لم يكن بروتوكولياً فقط، بل حمل مضامين فنية وتشريعية عميقة، فقد جرى استعراض القانون الوطني الأردني للأمن السيبراني، الذي يشكل مرجعية متكاملة لضبط أداء الشركات والجهات الحكومية والخاصة ضمن منظومة رقمية آمنة. كما ناقش الجانبان سياسات تنظيمية محورية مثل: قانون حماية البيانات الشخصية، ونظام ترخيص مزوّدي خدمات الأمن السيبراني، وسياسة الحوسبة السحابية. وتعد هذه المحاور ضرورة حيوية في سوريا اليوم، إذ تتسارع خطى الرقمنة، وتزداد حاجة الوزارات والهيئات العامة إلى بيئة رقمية موثوقة وآمنة.
الأمن يبدأ من المدرسة
واحدة من أبرز نقاط القوة في الحوار الثنائي كانت التركيز على تعزيز الوعي السيبراني لدى المواطنين، وتحديداً عبر إدماج مفاهيم الأمن الرقمي في المناهج التعليمية، وهو توجه عالمي تتبعه الدول المتقدمة اليوم، إدراكاً منها أن الأمن السيبراني لا يتحقق فقط عبر الأجهزة والتقنيات، بل عبر بناء جيل رقمي واعٍ، يعرف كيف يحمي بياناته ويتعامل مع المخاطر الرقمية بوعي ومسؤولية في سوريا، إذ تزداد نسبة الاستخدام الرقمي، سواء على مستوى الخدمات الحكومية أو الحياة اليومية، فإن إدماج هذه الثقافة في المدارس والمعاهد والجامعات بات ضرورة ملحة، لا مجرد خيار تربوي.
تحالفات استراتيجية
تأتي هذه الزيارة في سياق تحرك دبلوماسي – تقني أوسع، يشمل الانفتاح على الدول العربية ذات التجربة الناجحة في مجالات التحول الرقمي والأمن السيبراني، فمواجهة الهجمات الإلكترونية لم تعد مسؤولية دولة بمفردها، بل تتطلب شبكات تعاون إقليمية قادرة على تبادل المعلومات، وتطوير آليات إنذار مبكر، ومواجهة موحدة للجرائم الرقمية العابرة للحدود. إن بناء مثل هذه التحالفات، كما يُظهر التنسيق السوري الأردني، يحمل أبعاداً تتجاوز الأمن الرقمي ليصل إلى تعزيز الأمن الوطني والسيادة التكنولوجية، في وقت تُستخدم فيه الفضاءات الإلكترونية كساحات مواجهة خفية بين الدول والجماعات.
نحو استراتيجية سيبرانية وطنية شاملة
زيارة وزير الاتصالات للمركز الأردني، وما رافقها من نقاشات، تمثل فرصة حقيقية لسوريا كي تطلق استراتيجية سيبرانية وطنية شاملة، تدمج بين التشريع، والبنية التحتية، والتعليم، والشراكة الدولية. كما تمثل هذه الزيارة إشارة إيجابية إلى أن سوريا، رغم التحديات، تسير بخطا ثابتة نحو ترسيخ بيئة رقمية آمنة، تدعم التنمية، وتحمي المواطنين، وتعزز الثقة في مؤسسات الدولة الرقمية. إن أمن الدول في القرن الحادي والعشرين لم يعد يُقاس فقط بقدرتها العسكرية أو السياسية، بل أيضاً بمدى حصانتها الرقمية.. وسوريا، بخطواتها الأخيرة، تؤكد أنها عازمة على أن تكون فاعلاً في هذا الفضاء الجديد.