الملحق الثقافي – سلام الفاضل:
موت المؤلف هي مقالة كتبها الناقد الأدبي والمنظر الفرنسي «رولان بارت» عام 1967، جادل فيها ضد ممارسات النقد الأدبي التقليدي في تضمين المعنى، ونصوص السيرة الذاتية في النص المترجم، كما جادل كذلك لتبيان أن الكتابة والمؤلف غير مرتبطين. ومن هنا نستطيع القول إن أي نص أدبي، أو شعري تمكن إعادة إنتاجه مرات متتالية، عند كل عملية تلقٍ متواصلة تنشأ بين هذا النص، وأي قارئ جديد، وبهذا قد تختلف معاني النص باختلاف قرّائه، وتتعدد مدلولاته بتعدد عمليات التلقي التي تنشأ بينه وبين جمهوره، حتى إن بعض النصوص، وعملاً بنظرية موت المؤلف، قد تبتعد عن مضمونها الذي أراد له المؤلف أن ينجلي من خلال كلامه، ولكن هل في ذلك إجحاف بحق المؤلف؟؟ أم إن ذلك قد يخلق من النصوص الأدبية بحوراً من المعاني المتعددة التي يمكن عندها لكل قارئ أن يرفع شراع مركبه ليمخر عباب هذه النصوص؟؟ وهل موت المؤلف قد يقود بالضرورة إلى موت الناقد، طالما أن النص تتفاوت جمالياته تبعاً لاختلاف المتلقين، واختلاف نوازعهم، وأهوائهم، ونظرية علم الجمال تؤكد أن الجمال أمر نسبي، فما يراه أحدهم جميلاً، لا يعني بالضرورة أن يراه الآخر كذلك؟؟
إذاً هي أسئلة كثيرة تطول هذه النظرية، وتبحث في مدى مصداقيتها، وللوقوف على بعض من الآراء حولها تحدثنا إلى الأديب ورئيس تحرير مجلة «المعرفة» السورية الأستاذ ناظم مهنا الذي رأى: «إن مقولات موت المؤلف، وموت الناقد، وموت الشعر، وموت الإنسان،… واللائحة تطول، هي نتاج مرحلة ساد فيها التشاؤم، وسيطرت فيها العدمية على الفكر». وعليه فقد دعا إلى أن تؤخذ هذه النظرية بنسبيتها، وبُعدها المجازي، وأن تُخضَع لمنظومة التهكم. موضحاً أن النقد الأكاديمي العربي قد أخذها على محمل الجد أكثر من اللازم، ومبيّناً: «إنه يمكن أن يوجد لدى أصحاب هذه النظرية كثيراً من الإيجابيات لمصلحة النص أولاً، ولمصلحة القارئ أيضاً… فمع هؤلاء لم يعد القارئ مجرد متلقٍ، أو مستهلك أبله يمكن توجيهه، أو التأثير عليه، ولم يعد المؤلف سلطة مطلقة، بل أضحى القارئ شريكاً في إعادة إحياء النص واكتشافه».
من جانبه يعرج الناقد الأستاذ أحمد علي هلال على موضوعة جماليات التلقي، مُفتتحاً جوابه بتساؤل حول إمكانية أن يختار النص قارئه، حيث يكمن قارئ مثالي في صورة كل نص إبداعي، كما ذهب إلى ذلك نقاد كثيرون، ومنهم الناقد الإيطالي (إمبرتو إيكو). ويردف هلال: «فأطروحة «موت المؤلف» التي جاءتنا عبر الترجمات المتواترة تصادت في الخطاب النقدي العربي بمفارقاتها الكثيرة بتحولات الإبداع ومتغيراته، كما حضور الكاتب، لكن ذلك سيعني في أفق التلقي المنشود إحراز القيم العابرة للنص، بوساطة قارئ نوعي هو المنتج له بنية وسياقاً وتشكيلاً أثيراً، وبالمعنى المعرفي ستصبح جماليات التلقي أكثر انفتاحاً على حساسية الإبداع، بوصفه المتغير الدائم، وستبدو سلطة الكاتب مجازية بما يكفي، لأن أي نص هو تشكيل جماعي تنتجه ذات فردية، ليُعاد إنتاجه بوعي مغاير وحساسية مختلفة، وعليه سنتساءل بمَ يفكر النص؟».
وعن القارئ الذي تحول في هذه النظرية إلى شريك ناقد، يعيد إنتاج النصوص التي يقرؤها برؤى ومدلولات معرفية تنم عن ذاته الفردية، وأثر ذلك على الناقد أولاً، ومن ثم الكاتب يذهب مهنا إلى أن: «القارئ لا يحتاج هنا أن يعتمد على الناقد الوسيط لكي يقرأ النص، ويتفاعل معه، فلكل قراءته الخاصة به، وبهذا تتزعزع مكانة المؤلف والناقد، وترتفع مهمة القارئ من متلقٍ سلبي إلى شريك… فلا قيمة لأي نص إلا بالقراءة… كما أن النص يخرج عن سيطرة مؤلفه، وعن سيرته وموقعه، مفتوحاً على تعدد القراءات والتأويلات…».
وفي الجانب ذاته يوضح هلال: «إن القارئ، كما هو معلوم، هو من يعيد تشكيل النص في وعيه وثقافته، ذلك أن النص بحكم تعدده هو صاحب الأثر الذي يعيد القارئ استقباله وتأويله، وعليه فإن نظرية «موت المؤلف» كانت تعني ميلاد القارئ المؤول، أي انبثاق تقاليد جديدة للقراءة خارج الأنساق التقليدية، حيث ثمة موتٌ مجازي ليحيا القارئ، ويحيا معه النص في دورة جديدة، من أجل تخصيبه، وإنتاج دلالة له أكثر اتساعاً، ستعني الثقافة، وأشكال التفكير، وتثمير النص بمنحه غير أفق جمالي».
إذاً يمكننا القول ختاماً إن نظرية «موت المؤلف» هي نظرية تنتصر بشكل، أو آخر للقارئ بحيث تحوله إلى شريك فعلي في إنتاج النص، وتدفعه بعيداً عن التلقي السلبي القائم على تقبل النصوص من مبدأ الإمتاع والمؤانسة، كما تنتصر للنص كذلك إذ تفتح فضاءاته على تأويلات لامتناهية، تختلف باختلاف القراءات، غير أن هذا لا يعني بالضرورة أن يُهمل حق المؤلف في منتجه، أو أن يُغفل دور الناقد وإسهامه في العمل على إجلاء مدلولات النص بطريقة أكاديمية علمية.
رقم العدد : 1086 التاريخ: 8-3-2022