سفر جديد

تمثل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا محطة مفصلية في تاريخ العلاقات الدولية ونقطةً فاصلة في تصحيح مسار تلك العلاقات وفق المصالح المشتركة التي تحكمها علاقات منطقية وواقعية في آن واحد. فمن المؤكد أن قيام روسيا بعمليتها العسكرية لم يكن خارج الحسابات الدقيقة ومعرفة المعيقات والعقبات والموانع وتقدير الخسائر المحتملة قبل تقدير حجم وقيمة الانتصار في مواجهة ساحتها أوكرانيا وخلفيتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وأتباعهما في كل من كندا واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، إذ يحكم العلاقة بين الطرفين علاقة خصومة وشك لم يكن تفكيك الاتحاد السوفييتي قادراً على إنهائها وإن بشرت بداياتها بذلك، ذلك أن روسيا وحدها كانت رافعة الاتحاد السوفييتي وقوته ومركز المواجهة، وإن كان يتم تعزيز وتقوية المراكز السوفياتية في أوكرانيا وكازاخستان وغيرهما ضمن المفهوم الشيوعي للشعوب السوفييتية آنذاك، فلم يحتج الأمر لأكثر من عشرين سنة لتعود المخاوف الغربية من روسيا إلى مقدمة التحديات الكبيرة التي تواجه الفكر الاستعماري الغربي الراغب وقتها في أخذ العالم كله إلى الحظيرة الأميركية وصبغ القرن الحادي والعشرين بالأميركي، الأمر الذي لم يحدث فعادت الحرب الباردة مخبأة تحت اللقاءات والاجتماعات وبعض المعاهدات والاتفاقيات الشكلية دون أن يغير ذلك في جوهر الصراع الراكد تحت أضواء علاقات التعاون التي تخفي تخوفاً وحذراً من عودة القوة الروسية.

يعرف الغرب تماماً أن مساحات واسعة من أوكرانيا الحالية كان قسماً من الإمبراطورية الروسية مثل القرم والدونباس وحتى أوديسا على البحر الأسود، وهي المدينة التي عاش فيها شاعر روسيا الكبير ألكسندر بوشكين لسنوات منفياً بقرار من الإمبراطور نيكولاي الثاني أوائل القرن التاسع عشر ليعود بعدها إلى سان بطرسبرغ العاصمة الروسية وقتها. لكن الحالة السوفييتية هي من أعاد ترسيم خرائط الحدود على أنها خرائط لحدود إدارية بين محافظات الدولة.

وبعيداً عن هذا الأمر ما كان لروسيا أن تقدم على إعادة تصحيح الأوضاع لو حافظ مسؤولو الحكومة الأوكرانية على تلك العلاقات التاريخية ولم يتحولوا إلى عامل خطر كبير، وهذا ما بدا للعلن منذ عام ٢٠١٤ وبدء الانقلاب العلني على تلك العلاقات، حيث بدأت روسيا للإعداد لهذا العمل العسكري الخاص الذي بدأته في الرابع والعشرين من شباط الماضي، والذي سيعيد ترتيب الوضع الأمني على مستوى المنطقة والعالم وفق المطالب والشروط التي حددتها موسكو مؤكدة أنها لا ترغب باحتلال الأراضي الأوكرانية.

الأساس أنه لا مكان للارتجال والمغامرة في هكذا مواجهة نهايتها إعادة رسم حدود النفوذ تعيد التوازن للعالم وتمنع تفرد الولايات المتحدة الأميركية في السيطرة على العالم كله وتحافظ على حقوق وحدود كل دولة وفق ميثاق هيئة الأمم المتحدة والاتفاقات الدولية المتعلقة بذلك، ما ينهي صراعات صغيرة كانت تتخذها واشنطن ساحات تصفية حسابات خاصة ويدخل العالم في مرحلة استقرار جديدة لفترة قادمة تترافق ربما مع إعادة النظر في هيكلية وطبيعة ووظيفة منظمة هيئة الأمم المتحدة التي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية حيث كانت تسود فكرة انتهاء الحروب في أذهان من صاغوا ميثاقها.

ومختصر القول: إن روسيا الحالية في مرحلتها البوتينية تفتح سفراً جديداً لإعادة حالة التوازن والاستقرار الدوليين وفق الحقوق الخاصة للدول دون الإخلال بحقوق الجوار كما يحدث الآن مع أوكرانيا.

معاً على الطريق – مصطفى المقداد

آخر الأخبار
التحول نحو الاقتصاد الحر.. خطوات حاسمة لدعم المصرف المركزي السوري فزعة الأشقاء.. الأردن يهبّ لمساندة سوريا في إخماد حرائق الساحل أول شحنة منتجات من المدينة الصناعية بحسياء إلى الولايات المتحدة الأميركية رئيس الجمهورية يتابع ميدانياً جهود الاستجابة لحرائق ريف اللاذقية  تشكيل مجموعة العمل المشتركة حول التقنيات المالية بين مصرف سوريا المركزي ووزارة الاتصالات 138 خريجاً من مدرسة التمريض والقبالة في حلب يؤدّون القسم تحفيز إبداع فناني حمص مبادرة وطنية لحفظ وتثمين التراث السوري الهيئة الوطنية للمفقودين تطلق المرحلة الأولى من عملها هوية دمشق القديمة.. حجر اللبون بين سوء تنفيذ.. وترميم غير مدروس بحث تطوير مطار حلب وخطوات جديدة نحو الإقلاع الاقتصادي حركة نشطة عبر معبر السلامة.. أكثر من 60 ألف مسافر في حزيران وعودة متزايدة للسوريين بين المصالح والضغوط.. هل تحافظ الصين على حيادها في الحرب الروسية-الأوكرانية؟. صحة حمص تطور خبرات أطباء الفم والأسنان المقيمين تخفيض أجور نقل الركاب على باصات النقل الحكومي بالقنيطرة أطباء "سامز" يقدمون خدماتهم في مستشفى درعا الوطني استجابة لشكاوى المواطنين.. تعرفة جديدة لنقل الركاب في درعا كيف تخلق حضورك الحقيقي وفعلك الأعمق..؟ حرائق الغابات تلتهم آلاف الهكتارات.. وفرق الإطفاء تخوض معركة شرسة للسيطرة على النيران سوريا وقطر تبحثان توسيع مجالات التعاون المشترك