الشرق بلا مسيحييه

 

حديث السيد الرئيس بشار الأسد خلال لقائه المشاركين في المؤتمر الكنسي الدولي بأن تهجير المسيحيين هدف أساسي من أهداف المخططات الخارجية للمنطقة لكنه بشكلٍ أساسي هدف إسرائيلي، لم يكن بحكم المناسبة، بقدر ما كان تذكيراً بموقف راسخ، له جذور تاريخية، ومنطلقات فكرية ومعرفية.

قد تكون أقدم محاولات فصل المسيحيين عن نسيج المنطقة تلك التي رافقت حروب الفرنج، ففي عام 1167 يوم غزا ملك الفرنجة في القدس أموري الأول مصر بطلب من وزيرها شاور السعدي، حاول استمالة الأقباط المصريين فاستهجن هؤلاء على الملك الإفرنجي بداية وصفهم بالأخوة، لأن أخوَتهم هي مع أبناء وطنهم لا مع الغزاة الأجانب، طالبين منه في النهاية مغادرة بلدهم بإرادته قبل أن يجبره أبناؤها المسلمون والمسيحيون على الخروج منها بالقوة، وهذا ما حصل فعلاً، لذلك لم يكن من المصادفة أن كلّ المؤرخين العرب المعاصرين لحروب الفرنجة قد نأوا عن إسباغ أي صفة دينية عليها، وعن استخدام التسمية الغربية لها (الحروب الصليبية) لذلك السبب، وبسبب الأمانة التاريخية قبل أي شيء سواها.

ذلك أن أول المجازر التي ارتكبتها جيوش الغزو والاستيطان الغربي كانت من نصيب المسيحيين الشرقيين، ولم تميز الجرائم الوحشية للغزاة الطامعين بين مسلم ومسيحي بدءاً من القسطنطينية إلى إنطاكية إلى القدس وصولاً إلى بلبيس بوابة القاهرة الشرقية.

وعلى الجبهة المقابلة ضمت القوى المقاومة للغزو الإفرنجي على الدوام أبناء المنطقة بتنوع طيفهم الديني والقومي، وكان المسيحيون ضمن هذا الطيف الواسع الذي نجح على امتداد مئتي عام من الكفاح الضاري في استيعاب الهجمات الغربية المتتالية، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة الهجوم المضاد إلى أن تم طرد الغزاة وتحرير الأرض بكاملها، وفي مقدمها القدس التي كانت بفضل مكانتها الدينية والتاريخية محوراً لهذا الصراع الدامي، فعادت رمزاً للتعايش الديني كما كرسها الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب يوم تسَلم مفاتيحها من سكانها المسيحيين، وهو اليوم ذاته الذي رفض فيه الصلاة في كنيسة القيامة رغم أنها بيت من بيوت الله، فقط حتى لا يقتدي به المسلمون بعده فيحولون الكنيسة إلى مسجد، وآثر الصلاة بعيداً عن أسوارها حيث قام المسجد الذي ُأطلق علية أسمه والذي يشكو اليوم جنباً إلى جنب مع باقي مساجد القدس وكنائسها الاحتلال الاستيطاني البغيض ومحاولات الصهاينة تشويه وجه المدينة وهويتها وجوهرها.

ويشهد التاريخ المعاصر عن محاولات عدة لتطبيق هذه السياسة منذ المسعى الاستعماري في مطلع القرن الماضي لتجزيء الشرق العربي إلى دويلات طائفية ومذهبية والذي أسقطته الروح الوطنية الواعية، وكذلك حقن النزعات التعصبية في البلاد الواقعة تحت سيطرة قوى الاستعمار الحديث، أو تحت تأثيرها، والأخطر من ذلك كله إنشاء الكيان الصهيوني الحلقة الأبشع في هذا المخطط الاستعماري الطويل المدى، والمنطلق لمرحلة جديدة من محاولات التجزئة والشرذمة، هدفها الأساس هذه المرة توفير الحماية لهذا الكيان كونه رأس جسر الاستعمار الحديث، وقاعدته الكبرى في المنطقة.

بهذه النظرة الممتدة في الزمان والمكان يمكن فهم سر حرص أعداء الأمة على بث روح التعصب الطائفي والمذهبي فيها، وإذكاء روح التباغض الطائفي والمذهبي بديلاً عن مفهوم المواطنة والعيش المشترك، وخاصة مع المسعى الصهيوني لإخراج (عرب 1948) من وطنهم عن طريق تحويل “إسرائيل إلى دولة يهودية”، أي دولة يسكنها اليهود وحدهم، وهو المسعى الذي يجد في تنوع المحيط العربي ما يدين عنصرية الكيان المرجو، إن لم يستطع شرذمة المحيط الواسع المنسجم، واستبداله بكيانات طائفية ومذهبية تناصب بعضها البعض العداء، وتضحي بتنوعها، وتوفر للكيان بنسخته الجديدة مبرر الوجود، كما توفر الملجأ للمهجرين الفلسطينيين الجدد على حساب مجموعات دينية ومذهبية تجبر على الهجرة من أوطانها.

في هذا المخطط تلعب دول التحالف الغربي دوراً أساسياً، حيث تقوم المجموعات الإرهابية المرتبطة بها بجرائم منهجية ضد مسيحيي الشرق وكنائسهم وبيوتهم، في حين يعتم الإعلام العالمي، بشكل كامل على الجرائم الصهيونية المستمرة بحق المسيحيين في فلسطين، ومنها – على سبيل المثال فقط – القصف اليومي الذي تعرضت له قرية بيت جالا على مدى شهرين خلال الانتفاضة الثانية، كل هذا بغاية ترويع مسيحيي الشرق وحثهم على مغادرة أوطانهم، لا حرصاً عليهم، وإنما سعياً إلى شرق خال منهم ، فهذا – إضافة لما سبق – يفتح الطريق أمام المزيد من تجزئة هذا الشرق، ويضعف صلة الجاليات العربية في بلاد المهجر- التي تضم عدداً كبيراً من المسيحيين- بأوطانها الأصلية ، مما يفقد القضايا العربية قوة هامة.

وليس هذا مكسب الأعداء الوحيد، ولا الخسارة الوحيدة للأمة.

إضاءات – سعد القاسم

آخر الأخبار
العلاقات السورية الروسية .. من الهمينة إلى الندية والشراكة  الصحة النفسية ركيزة الرفاه الإنساني  حملة "فسحة سلام" تختتم مرحلتها الأولى  بفيلم "إنفيكتوس"   قادمة من ميناء طرابلس..الباخرة "3 TuwIQ" تؤم  ميناء بانياس "الزراعة الذكية"  للتكيّف مع التغيرات المناخية والحفاظ على الثروات   "التربية والتعليم": مواءمة التعليم المهني مع متطلبات سوق العمل إجراءات خدمية لتحسين واقع الحياة في معرّة النعمان من قاعة التدريب إلى سوق العمل.. التكنولوجيا تصنع مستقبل الشباب البندورة حصدت الحصّة الأكبر من خسائر التنين في بانياس  دعم التعليم النوعي وتعزيز ثقافة الاهتمام بالطفولة سقطة "باشان" عرّت الهجري ونواياه.. عبد الله غسان: "المكون الدرزي" مكون وطني الأمم المتحدة تحذِّر من الترحيل القسري للاجئين السوريين الجمعة القادم.. انطلاق "تكسبو لاند" للتكنولوجيا والابتكار وزير العدل من بيروت: نحرز تقدماً في التوصل لاتفاقية التعاون القضائي مع لبنان "الطوارئ" تكثف جهودها لإزالة مخلفات الحرب والألغام أردوغان: اندماج "قسد" بأقرب وقت سيُسرّع خطوات التنمية في سوريا "قصة نجاح".. هكذا أصبح العالم ينظر إلى سوريا علي التيناوي: الألغام قيد يعرقل عودة الحياة الطبيعية للسوريين مدير حماية المستهلك: تدوين السعر مرتبط بالتحول نحو مراقبة السوق الرابطة السورية لحقوق اللاجئين: مخلفات الحرب تعيق التعافي