بقلم ظافر أحمد أحمد – إعلامي:
لا تجد ألمانيا، أكثر الدول الأوروبية ارتباطاً بالاقتصاد الروسي، غضاضة من تزويد أوكرانيا بالسلاح ضدّ روسيا، وتستجيب للمطلب الأميركي بإغلاق سيل الغاز الروسي الشمالي 2 الذي بمقدوره تحويلها إلى أهم موزّع للغاز في أوروبا، وتزيد من أعباء التسليح على اقتصادها بقيمة مئة مليار يورو، مسوّغة ذلك على لسان مستشارها: (علينا أن نستثمر أكثر في توفير الأمن لبلادنا..).!
المعادلة الألمانية الواضحة حتى الآن هو انجرارها بمعاقبة اقتصادها كي يربح الاقتصاد الأميركي من خلال توجهها لشراء أسلحة أمريكية بحجة العمل على جعل ألمانيا القوة الأوروبية الأهم عسكريا..، فهل يمكنها الجمع بين حرب اقتصادية على روسيا بينما الغاز الروسي متغلغل في شرايين اقتصادها؟
تأثيرات على الاقتصاد الألماني
تنتشر خطوط الغاز الروسي عبر (بحر البلطيق، وبولندا، وتركيا، وأوكرانيا وألمانيا وصربيا وبلغاريا والمجر وإيطاليا وسلوفينيا..) وبالتالي يمكن تصوّر حيويتها للاقتصاد العالمي..
والمستشار الألماني ذاته سبق وأكد أكثر من مرة أن واردات الطاقة الروسية أساسية لحياة الأوروبيين اليومية، وتوصل اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية من خلال مسح نفذه إلى أن نحو 80 % من الشركات في ألمانيا تستشعر عواقب الحرب الروسية – الأوكرانية على أنشطتها، مثل ارتفاع الأسعار أو تعطل سلاسل التوريد وفقدان عملاء أو موردين، والنسبة الكبرى من الشركات حددت التأثير السلبي الأكبر على نشاطها بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة..، وأنّه في قطاع التصنيع سيضطر ثلثا الشركات إلى تمرير زيادات الأسعار إلى العملاء والمستهلكين..
في جانب يكمّل المشهد تدرس وزارة الزراعة الألمانية سبل التعامل مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأقرت بأنّ بعض المواد الغذائية ستصبح باهظة الثمن..، كما أنّ بعض القطاعات تطالب بزيادة الأسعار بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والمواد الخام وزيادة النفقات اللوجستية..
في أنموذج العام 2020 أمّنت ألمانيا 55% من حاجة اقتصادها من الغاز الروسي، واستوردت نصف إمداداتها من الفحم وثلث كمية النفط تقريبًا من روسيا، فماذا لو تفاقمت الأمور وألزمت روسيا بتخفيض أو قطع إمدادات نفطها وغازها للقارة الأوروبية هل يمكن تصوّر حالة الخلخلة في الاقتصاد الألماني والأوروبي وتأثيراته على الاقتصاد العالمي برمته؟
ويؤكد خبراء أنه إذا تمكنت سوق الغاز الأوروبية من العمل على استبدال الواردات الروسية بالغاز الطبيعي المسال ستبقى تعاني عجزاً بنحو 25 في المئة من حاجتها للغاز الروسي، والمعاناة الكبرى في ألمانيا التي يترتب عليها أكثر من غيرها زيادة الاعتماد على حرق الفحم لتوليد الطاقة والعودة إلى الطاقة النووية على حساب البيئة والمناخ..، بينما المشروعات الخاصة بالطاقات المتجددة ليست حلا إسعافيا..
الأعباء ستظهّر سبب الحرب
حتّى الآن ينجرّ الرأي العام الأوروبي والألماني على وجه الخصوص بتحديد سبب ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة تكلفة شتى السلع والخدمات بأنّها حرب روسيا على أوكرانيا، ولكن مع الأضرار الجسيمة التي ستظهر على المستهلكين لا بد وأن يتفتح وعيهم ليحدد السبب الحقيقي بأنّه العقوبات على الاقتصاد الروسي، وتأثيراتها على اقتصادات ألمانيا وأوروبا..
ومع زيادة الأضرار في الأسواق العالمية ستزداد الإضاءة أكثر على سبب الحرب، وربما التنبه العالمي إلى أنّها حرب فُرضت على روسيا لتحمي نفسها من سياسة ومخططات واشنطن والغرب..
وإذ يتكفل التسويق السياسي والإعلامي الجارف حتى الآن بضبط الانتقادات الشعبية لتوجه ألمانيا بمعاقبة اقتصادها، فإنّه في مرحلة ما وعندما تزيد الأعباء على الألمانيين أكثر فأكثر سيكبر سؤالهم لحكومتهم: هل فعلا العقوبات ضد روسيا أم ضدنا؟! إنّه سؤال قد يتمدد بأكثر من حدود الجغرافيا الألمانية..

التالي