العمل الفني التشكيلي الإبداعي الحديث، ليس مجرد تسلية وتمضية أوقات فراغ، كما يعتقد البعض ، وإنما هو قبل أي شيء أخر، ثقافة ورحلة أو نزهة اكتشاف يومية، هدفها الأساسي استقطاب الجمهور الراقي، وتغذية حساسيته البصرية والروحية والمعرفية، ونقله إلى واحات الجمال والثقافة والتذوق الجمالي الفعلي، والمساهمة بإظهارعناصر السحر التشكيلي، على كل العناصر، التي تقع ضمن الدائرة الحياتية العامة.
والفنان التشكيلي على هذا الأساس يبدو صاحب رسالة إنسانية وحضارية مضاعفة، سلاحها لغة الخط واللون في اللوحة، ولغة الكتلة والفراغ في المنحوتة، تلك العناصر الجمالية القادرة على الدخول في وسائل الاستعمال اليومية، ومنح كل ما يقع في مجالات الحياة عناصر متجددة، ومتحررة من الجمود والرتابة والترداد الرتيب.
وإذا كان الدور الحقيقي للمعارض الفنية يكمن في استقطاب الجمهور والتحريض لظهور يقظة إبداعية في المجتمع، فإن ذلك لايتم بالتركيز فقط على الاعمال الواقعية، التي لا تقبل التأويل ولاتحتاج لثقافة أو لحساسية بصرية عالية، لا بد من التنويع في اختيار الأعمال الفنية وعرضها، وذلك لتغذية الحساسية البصرية لدى الجمهور، وإيصال العمل الفني إلى شريحة واسعة من الجمهور .
والفنان التشكيلي الحقيقي يستمر في الانتاج والعرض، حتى في أحلك الظروف وأصعب المراحل، حباً بعمله الفني، ولا ينتظر مكافأة أو جائزة كبرى، لأنه يدرك أن الفن في النهاية هو الأبقى، وهو رسالة جمالية وحضارية إلى العالم أجمع، والفن التشكيلي قبل كل ذلك هو لغة عالمية، لا تحتاج إلى ترجمة، وبالتالي فالفنون الجميلة تقارب بين الشعوب وتعمل على توسيع آفاق الحوار المتبادل، وتساهم في تمتين روابط الصداقة والتعاون المشترك، ولهذا يتواصل النشاط الفني في دمشق والمدن السورية، دون توقف أو انقطاع رغم ظروف الحياة الصعبة، مايعني أن الفن هو الحياة.
والذين يتابعون افتتاح المعارض في أروقة الصالات في دمشق والمدن السورية، يكتشفون بسهولة أن جمهور بعضها، يفوق في أحيان كثيرة جمهور العديد من الأمسيات الغنائية والموسيقية والشعرية، وعلى خلاف ما هو شائع، ما يؤدي إلى سقوط الشعارات النقدية المسبقة، التي تتهم الفنان التشكيلي بالبعد عن الواقع والناس، ولقد كانت سلبيات النظرة الارتدادية المجتمعية إلى الفن التشكيلي قاسية جداً على فنانينا، وأدت إلى انحطاط في برامجنا التربوية المدرسية، وانحدار في المستوى المعرفي بجماليات اللوحة التشكيلية الحديثة، و كان لذلك أكبر الأثر في تراجع الإبداع والثقافة والفكر والفن على مدى عقود، وهنا تكمن الخطورة في استمرارية الترويج لتلك العبارات الجاهزة، والمعبرة عن مواقف متسرعة وعشوائية من الإبداع التشكيلي.
رؤية -أديب مخزوم