أحد عشر قتيلاً صهيونياً خلال شهر آذار، حسب اعتراف العدو في فلسطين المحتلة، وقد يكون العدد أكثر من ذلك، وكل قتيلٍ من هؤلاء أرسل رسالة خاصة لكل مستوطنٍ في الكيان المؤقت، مفادها أنّ التطبيع ليس بديلاً عن الرحيل، ورسالة للكيان عامة، أنّ التطبيع ليس بديلاً عن الزوال.
يقول بني غانتس عن عملية”تل أبيب”،”إنّها ليلة صعبة على إسرائيل”، والحقيقة أنّ”إسرائيل” تعاني من صعوباتٍ لا تُحصى، فهذا الكيان الذي قام على عقيدة عدوانية بحتة، أصبحت يدّه مغلولة إلى عنقه، وكلما تقلصت قدرة الكيان على العدوان، تقلصت احتمالات بقائه.
وهذه العدوانية”الإسرائيلية”، كان يوازيها استراتيجية ترسيخ الاستسلام والدّعة، وكانت أوسلو في القلب منها العمل على هذه الاستراتيجية، حيث ينشأ جيل متشبع بثقافة الاستسلام، بل وفي حالة نسيانٍ تامة لهويته، وإذا لاحظنا أعمار كل منفذي العمليات، نجد أنّهم إمّا ولدوا بعد أوسلو، وإمّا ترعرعوا في ظلها، وهذه بحدّ ذاتها رسالة قاسية للكيان، بأنّ هذه الأرض تلفظهم.
تقول”يديعوت أحرونوت” الصحيفة العبرية، “سابقاً كنا نخشى ركوب الحافلات، أمّا الآن فقد بتنا نخشى المشي في الشارع”، وهي إشارة للعمليات الاستشهادية التي كانت تستهدف الحافلات، بينما الخشية من المشي في الشارع، إشارة للعمليات الأخيرة من طعنٍ ودهسٍ وإطلاق نار، وهذا يضرب نظرية الأمن الصهيونية في القلب، ويجعل من الإصرار على البقاء في فلسطين المحتلة، مغامرة غير مأمونة العواقب، فالمستوطن أصبح لا يعرف متى يخرج من بيته، فيصادفه فدائيٌ، فلا يعود.
عمليتان في الخضيرة و”تل أبيب” جاءتا قبيل وبُعيد انعقاد قمة النقب، وهي القمة التي حاول بينيت استثمارها كانتصارٍ سياسي، والتعامل معها باعتبارها افتتاحٌ لعصرٍ جديد، تكون فيه”إسرائيل”، هي قاطرة المنطقة العربية، وتدشينٌ للسيادة”الإسرائيلية” على شعوب المنطقة وجغرافيتها، فأتت هاتان العمليتان في التوقيت الأنسب، ليدرك المطبعون ويدرك الكيان المؤقت، أنّ العبث لا يمكن أن يكون سياسة، فضلاً عن أن يكون مصدر قوة.
قد تكون هذه العمليات ذات طابعٍ فردي، ولكنها بكل الأحوال مؤشرٌ على أنّ الأمن”الإسرائيلي” في حالة انحدار، كما أنّها بالتوازي تشير إلى أنّ المقاومة في حالة تصاعد، وأيضاً قد تكون هذه العمليات جزء من عملٍ منظم أخذ الطابع الفردي، وفي كلا الحالتين فإنّ هذا يشكّل تحدياً أمنياً للكيان، والأخطر أنّها بمثابة شرخٍ كبير في عقيدة الأمان الصهيوني.
على مدى عدة أشهرٍ سابقة، حاول العدو تشكيل مظلة حمايةٍ جماعية، وذلك من خلال الحصول على ضمانات متعددة، بعضها غربي وبعضها عربي وبعضها إسلامي، بهدف الحصول على مكتسباتٍ واقعية، دون حدوث تصعيدٍ أو انفجارٍ في القدس خصوصاً وفي فلسطين عموماً، وجاءت هذه العمليات لنسف هذه المعادلة، أيّ أنّه لا يمكن تحقيق مكتسبات واقعية أمنية وقانونية وسياسية على الأرض، دون المجازفة بانفجارٍ، قد يكون آخر انفجارات المنطقة وأكبرها.