في السنوات الأخيرة بات مشهد النيران التي تلتهم الغابات مألوفاً.. للأسف، لكن ما يلفت الانتباه هو الحضور الشعبي في خطوط النار، إذ يتقدم الأهالي قبل رجال الإطفاء أحياناً، حاملين ما تيسر من أدوات بسيطة: دلاء ماء، أغصان يابسة، أو حتى قلوباً ملتهبة بالمسؤولية.
هذه المبادرات الشعبية لا تُقاس بقدرتها المادية بقدر ما تُقاس بروح التضامن التي تنبض بها، إذ أثبت الناس أن حماية الأرض مسؤولية جماعية وليست حكراً على مؤسسات الدولة.
لكن مع ذلك، هناك واقع أشد خطورة يعقد مهمة الإطفاء ويضاعف حجم الكارثة، يتمثل بمخلفات الحرب والألغام، فالغابة التي كان يُفترض أن تكون مأوى للطيور والحيوانات البرية، تحوّلت إلى حقل قابل للاشتعال والانفجار مع أول شرارة.
الألغام المدفونة تحت التربة تنفجر عند تمدد النار، فترسم دوائر موت جديدة، وتفتح مسارات جديدة للنيران يصعب السيطرة عليها، أضف الى ذلك أن هذه الانفجارات لا تكتفي بتوسيع رقعة الحريق، بل تقتل حيوانات بريئة.. وتدمّر توازن الحياة البيئية في لحظة خاطفة.
ما بين المبادرات الشعبية النبيلة، وخطر الألغام الصامتة، تبدو معركة الحرائق أكثر تعقيداً، فمن جهة، هناك إرادة الناس التي تشعل الأمل وسط الرماد، ومن جهة أخرى هناك إرث الحرب الذي يواصل إشعال النار حتى بعد أن صمتت البنادق، وبين هذين الوجهين، تبقى الطبيعة هي الضحية الكبرى.. أشجار تُمحى، وحيوانات تُفنى، وغابات تتحول من رئة خضراء إلى أطلال سوداء.
الحل لا يكون فقط بإطفاء النيران عند اندلاعها، بل بعمل وقائي طويل المدى يتضمن تنظيف الغابات من مخلفات الحرب، دعم جهود الإطفاء بالعتاد والكوادر، وتشجيع المبادرات الشعبية ضمن خطط منظمة، فالنار قد تلتهم الجذور، لكن الإرادة الشعبية قادرة أن تعيد الغابة إلى الحياة من جديد.