المكان بصمة الشاعر

الملحق الثقافي: نبوغ اسعد:

المكان هو أساس في بناء البيئة الاجتماعية، وله الأثر الأكبر في بناء التكوين النفسي لشخصية الإنسان وهذا ينعكس على كل شخصية بشكل عام ..وينطبق الأمر ذاته على شخصية الشاعر ..لكن الشاعر بما يمتلكه من مشاعر وأحاسيس وقدرات غير الإنسان العادي فالبيئة الجبلية تختلف عن الصحراوية وغيرها وكذلك يلعب البحر دوراً كبيراً في تكوين آخر لكثير من الملامح اللفظية والحركة التي تختلف عما يفعله الجبل والسهل الوادي والمدن وغير ذلك مما يرتبط بطبيعة الانسان .. وإذا عدنا إلى تاريخنا العربي القديم نجد أن القدرة الشعرية لا تضاهى وتمتلك جماليات تتفوق على عصور مختلفة وكانت القصائد تحتوي ثقافات مختلفة وهذه الثقافات يتصدر فيها الشعر ويحتل المرتبة الأولى ..
وكانت البيئة قد أكسبت سكانها تشابهاً في التعاطي مع القصيدة فإذا قرأنا مطلع معلقة طرفة بن العبد نجد أن المكان فيها يفتتح به القصيدة وهي الأطلال الذي أخذ جمالاً معيناً في بداية المعلقة .. فيقول : لخولة أطلال ببرقة ثمهد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد وقوفا بها صحبي علي مطيهم يقولون لا تهلك أسا أو تجلد .. هذا المكان هو الأطلال والديار المليئة بالحصى الحجارة والذي يمتلك آثار الكف وطيب خولة حبيبة الشاعر أو المرأة التي كان يراها جميلة وتأوي إلى تلك الطلول .. نجد أنه رغم الخلاف النفسي بين الشعراء والخلاف بين أخلاقياتهم فالمطلع دائماً في نصوصهم بسبب أثر البناء هو متشابه وهذا مانجده أيضاً في معلقة امرئ القيس الذي قال فيها : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوا بين الدخول فحومل فتوضح فالمقرات لم يعفر اسمها لما نسجتها من جنوب وشمأل .. ونحن نعرف تماما أن هناك خلافاً في التركيب الثقافي والأخلاقي عند الشاعرين ولكن كلاهما وقفا على الأطلال وإن كان وقوف امرئ القيس يحتمل حباً مختلفاً عن طرفة ابن العبد ولكن النتيجة أنهما انطلقا في جماليات شعرهما من الأطلال حتى البكاء كما فعل امرؤ القيس..دعا ليكون على الأطلال ذاكرًا أسماء الأماكن والمواضيع التي يحبها ويزورها إلى آخر زفرة من روحه .. وإذا تابعنا الحركة العاطفية في المعلقتين نجد أن كلاً من الشاعرين قد خرج من موضوع الأطلال ليدخل فيما يريده وأن كل شاعر ذهب إلى مواضيع تختلف عن الآخر..
ونجد أيضاً أن المكان قد أثر على شخصية عنترة بن شداد العبسي الذي يعتبر من أشهر فرسان العرب في الجاهلية ومن شعراء الطبقة الأولى وكان أكثرهم أخلاقاً وأنقاهم حباً، إلا أن الثقافة المعرفية كانت تلعب دورها متأثرة بالعلاقات والبيئة وبالتعامل والاكتساب الثقافي ومعلقة عنترة لاتشبه المعلقات بما ذهبت في التعاطي مع الانعكاس العاطفي والنفسي وتجسيده شخصيته النقية في المعلقة ..إلا أنه شابه أقرانه من الشعراء وبدأ معلقته بالوقوف على الأطلال ..فقال : هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفتي الدار بعد توهم يادار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي في وقوفه على الأطلال اعتبر أن الشعراء قد أصلحوا ورفعوا قدر كل الأماكن ..فكيف سيبدأ قصيدته التي انطلق بها من الوقوف على الأماكن التي وقف عليها الشعراء ومن دار عبلة حبيبته تحديداً ..حيث اختلف فقط في رسم الصورة التي جسدها والتي انعكست بصدق انفعاله وإحساسه ..ثم يكمل معلقته أيضاً إلى ما يريد أن يطرح من بنى اجتماعية مختلفة ظهرت في قصائده وكانت ذا وقع متميز على ذائقة كل من سمع بشعره الذي يعد من عيون الشعر العربي وموسوعة لا تنضب . وهنا شاعر أيضاً يعد من فحول شعراء الجاهلية وهو لبيد ابن ربيعة العامري ومن الفرسان الأشراف في زمن الجاهلية ..
أيضاً بدأ معلقته بقوله : عفت الديار محلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها فمدافع الريان عريا رسمها خلقا كما ضمن الوحي سلامها .. فالأماكن والإقامة بها والترحال عنها واضحة وهذا يعني أنه لم يختلف بالسلوك الذي نشأ عليه في بناء قصيدته ..صاحبة الحضور الكبير في تاريخ الشعر، وإن اختلف بعض الشعراء في مطالع نصوصهم نجد أنه لم يتأثر الشاعر بالمكان فأثر البيئة المكانية واضح فيها .. وهذا النابغة الذبياني يقول : أمن آل مية رائح أو مغتد عجلان ذا زاد و غير مزود .. برغم ضيق المكان وصعوبة التحصيل الثقافي في ذلك العصر الذي من المفترض أن يبحثوا النقاد له عن غير تسمية تليق بمقامه الشعري العريق ..فنجد أن سعة ملكاتهم الشعرية، لم يتمكن التطور حتى الآن أن يتجاوزها ..ولم تتمكن كل وسائل التكنولوجيا الحديثة أن تقدم تكويناً أكثر قوة من ذلك التكوين الذي عبر الزمن دون توقف برغم كل المؤامرات التي تحاك ضده.

التاريخ: الثلاثاء5-4-2022

رقم العدد :1090

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق