الثورة – هفاف ميهوب:
لم يكن الامبراطور والفيلسوف الروماني “ماركوس أوريليوس” يقصد من الـ “تأملات” التي كتبها لنفسه، تقديم خطاب فلسفي، أو درسٍ رواقي. ذلك أنه لم يتوقّع بأن تُقرأ، أو أن يتمّ جمعها في كتابٍ، يكون سبباً لتخليده بين مصافِ الفلاسفة العظماء..
حتماً، نحن اليوم بحاجة لقراءة هذه التأملات، ولاسيما في ظلّ الظروف التي نعيشها، وتحتاج منّا صبراً وحكمة، لمقارعة اليأس بالأمل، والموت بالحياة، وهو ما يهدينا إياه هذا الكتاب، ومنذ بداياته التي نقرأ فيها، قول قارئٍ يوناني كان قد قرأ هذه التأملات فوصفها:
“إن شئت أن تملك السيطرة على الألم، فافتح كتابه المُبارك وأوغل فيه، ولسوف تتمكّن بغدقِ فلسفته، من أن ترى كلّ المستقبل والحاضر والماضي، ولسوف تدرك أن كلاً من الترح والفرح، لا يغدو أن يكون دخاناً”…
بيد أن هذا الفيلسوف، كتب فعلاً هذه اليوميات لنفسه، وليس لأنها نتاجه الوحيد الذي لم يكن موجوداً مع بقية الوثائق المحفوظة في خزانته، ولا حتى لأنها كُتبت باليونانية التي كانت يومها لغة الصفوة من المثقفين الرومانيين، بل لأنه وسمها بعبارة: “إلى نفسه”، ومن ثم: “لستُ أعرف بالضبط ما أنا أفكّر فيه، ربّما لذلك شرعت في الكتابة”..
إنها الحكمة التي أطلقها، بعد الامتنان لكلّ الفلاسفة الذين تعلّم منهم ضبط النفس، الامتناع عن النزوات العابرة، المرح في كلّ الظروف حتى في المرض، حب العمل والمثابرة، والإنصات لكلّ من لديه اقتراح من أجل الصالح العام، وغير ذلك مما يرتقي بالحياة التي تحكمها أخلاق فيلسوف، من الطبيعي أن يناجي نفسه، ويحاكي الطبيعة والعالم:
“أيها العالَم، كلُّ شيءٍ يُلائمُني إذا لاءَمَك، وكلُّ ما هو في أوانِه بالنِّسبةِ إليكَ، هو كذلكَ عندي، لا متقدِّمٌ لديّ ولا مُتأخِّر… أيتُها الطبيعة، كلُّ ما تَجلِبُه مَواسِمُكِ هو ثَمرةٌ لي، كلُّ شيءٍ منكِ يَأتي، وفيكِ يعيش، وإليكِ يَعود”..