الثورة- نور جوخدار
على ضوء التغييرات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة في العالم، لا يوجد قارة أفضل من آسيا الوسطى لمشاهدة ومراقبة ملامح “اللعبة الكبرى” المتجددة، حيث تتهافت القوى العالمية الكبرى، روسيا والصين والولايات المتحدة، إلى جانب قوى إقليمية مثل إيران وتركيا لتعزيز حضورها السياسي والاقتصادي، مع بروز دور لدول الاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون الخليجي عبر عقد اتفاقيات تجارية استراتيجية.
وتعد دول الإقليم الخمسة كازاخستان، وجمهورية قيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان من أهم ساحات الصراع لما تمتلكه من احتياطيات ضخمة من النفط والغاز والذهب والنحاس واليورانيوم، والمعادن الثقيلة الأخرى، كما تشكل ممرًا حيويًا لمشاريع الطاقة الإقليمية والعالمية.
في خضم هذا التنافس المحموم، تولي دول الخليج اهتمامًا متزايدًا بالتعاون والاستثمار في آسيا الوسطى، لا سيما في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، وقد أكد الأمين المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات في مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد العزيز العويشق، خلال ندوة في الرياض سبقت قمة أوزبكستان المزمع عقدها في 5 أيار في سمرقند، أن “القمة المقبلة تمثل محطة مهمة تعكس الاهتمام المتزايد من قادة دول الخليج بتوطيد العلاقات مع دول آسيا الوسطى، في مواجهة تحديات اقتصادية وجيوسياسية تتطلب تنسيقا أعمق وتعاونا أكثر مرونة”.
وأشار العويشق إلى وجود قواسم مشتركة بين الجانبين، منها السعي للابتعاد عن الاستقطابات الجيوسياسية وتجنب الدخول في تحالفات اقتصادية ضد أطراف أخرى، ما يوفر أرضية صلبة للتعاون، كما لفت إلى عمق الروابط التاريخية التي تعود لمئات السنين، والتي انقطعت بفعل السيطرة الروسية ثم السوفياتية على آسيا الوسطى حتى استقلالها في 1991.
ومع تشكيل هذه التكتلات الإقليمية تقف آسيا الوسطى وسط نزاع جيوسياسي، حيث تسعى روسيا لاستعادة نفوذها الذي تراجع بعد غزوها لأوكرانيا في عام2022 وذلك من خلال تشكيل “اتحاد إقليمي مصغر” يواجه التغلغل الأميركي والأوروبي والصيني، فمنذ القرن الـ 19 تعتبر روسيا أن آسيا الوسطى بمثابة حديقة خلفية لها، في المقابل، تواصل الصين تعزيز نفوذها من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينها وبين دول آسيا الوسطى أكثر من 90 مليار دولار في عام 2023، أما الولايات المتحدة، فتسعى لإعادة تموضعها في المنطقة عقب انسحابها من أفغانستان عام 2021، حيث أطلقت لأول مرة مبادرة C5+1 في 2023، بمشاركة الرئيس جو بايدن، لتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي والحد من النفوذين الصيني والروسي.
وعلى الرغم من أن الأضواء الإعلامية غالبًا ما تسلط على التنافس بين روسيا والصين والولايات المتحدة في آسيا الوسطى، إلا أن الاتحاد الأوروبي شكل لاعباً ناعما آخر ضمن المنافسة عبر إطلاقه مبادرة “بوابة العالم ” (Global Gateway) الهادفة إلى منافسة المشاريع الصينية وتقليل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي بعد اندلاع الحرب الأوكرانية.
فبين الزحف الصيني، والتنافس الروسي، والطموح الأمريكي، والانخراط الخليجي، والنفوذ الأوروبي الناعم، يبرز التساؤل التالي: هل عادت “اللعبة الكبرى” إلى آسيا الوسطى؟.