الثورة – جهاد اصطيف:
عاد الغلاء يتصاعد من جديد وترتفع أسعار السلع الأساسية في أسواق حلب، بمجرد انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار خلال الأيام القليلة الماضية.
يعيش المواطن تحت ضغط يومي لتأمين احتياجاته، بعد تجاوز متوسط إنفاق الأسرة الشهري حاجز ٣٠٠ دولار شهرياً، حسب أقل تقديرات، في حين لا يتجاوز متوسط الدخل من ٣٠ إلى ٥٠ دولاراً، ما يضع الغالبية تحت خط العوز، “الثورة” تابعت هذا الأمر من خلال الاستطلاع التالي..
فن يومي
أبو محمد، موظف متقاعد، ينتظر دوره الطويل لقبض راتبه من أحد المصارف، يقول: إن التدبير بات فناً يومياً، وأصبحنا نحسب كل شيء بالورقة والقلم، لم نعد نطبخ يومياً، وشراء اللحوم ” الحمراء والبيضاء ” والفواكه بالكاد تقتصر على المناسبات.
ويضيف: باتت معظم الأسر تعتمد على وسائل عدة للتأقلم، منها، تقليل عدد الوجبات إلى وجبتين وكثير من الأحيان إلى وجبة يومياً، أو الاعتماد على الجمعيات الخيرية أو الحوالات الخارجية.
شاطره بالرأي زميل تواجد في المكان، أن الشراء بالتقسيط أو بالدين من البقاليات باتت سمة ملازمة لأغلبية الناس، وبات بيع الذهب أو الممتلكات الصغيرة لتأمين مصاريف مفاجئة، مثل المرض أو السفر أمراً اعتياديا، وأن ظاهرة العمل الإضافي، منتشرة بكثرة، ويعمل كثيرون في مهن متعددة، على سيارات الأجرة أو أعمال يدوية، بعد ساعات الدوام الرسمي.
كفاح يومي
أم سائد، معلمة، تعمل مساء بخياطة الملابس في منزلها، تقول: لو اشتغلت طوال اليوم لا تكفيني، لكنني أعمل باستمرار لسد احتياجاتي، نخوض معركة يومية لتأمين لقمة العيش، فالأسعار ترتفع باستمرار، والدخل ثابتاً- إن لم يكن معدوماً– مما يدفع الناس للبحث عن حلول مبتكرة أو اللجوء إلى بدائل قاسية.
اقتصاد قائم على التضحية
أمام هذا الواقع، يضطر المواطن في حلب إلى خفض استهلاكه بشكل كبير، فعدد الوجبات تقلص، واللحوم أصبحت ترفاً نادراً، والخضار تشترى أحياناً “بالحبّة”، وبحسب بعض العائلات لجأت لزراعة الخضار فوق أسطح المنازل.
أبو هاشم، موظف سابق، حالياً سائق “تكسي” يقول: أقف حيث وجهة الراكب، لتأتيني توصيلة أخرى، منذ الصباح وحتى المساء، البنزين غال والتصليح مكلف والمعيشة باتت صعبة، والناس بالكاد معها ثمن التوصيلة، ومع ذلك علي العمل لأضمن قوت يومي وعائلتي.
الاعتماد على الحوالات
بات الاعتماد على الحوالات المالية من الخارج، شريان حياة لكثير من الأسر، تقول هنادي، خريجة جامعية عاطلة عن العمل.. أخوتي بألمانيا، يبعثون لنا شهريا مبلغاً من المال يكفينا لمعيشتنا، ولولا ذلك لكانت حالتنا بالويل، عكس غيرنا ممن ليس لديهم أحد في المغترب، كما أن الدين بات ظاهرة اجتماعية مألوفة، إذ أصبحت معظم البقاليات في الأحياء تسجل الحساب “على الدفتر”، بانتظار الفرج آخر الشهر، أو المساعدات من بعض الجهات أو الأهل والأقارب.
تكافل اجتماعي
أمام ذلك، وفي ظل الغلاء وغياب الأفق، يبقى المواطن في حلب أسير معادلة صعبة، كيف يعيش بموارد لا تكفي لأبسط أساسيات الحياة؟ وبينما يبتكر كل يوم وسيلة جديدة للبقاء، ورغم هذه التحديات، نقول: لا تزال روح التضامن حاضرة، تبادل المواد بين الجيران، وإعارة الأدوات أو مشاركة الطعام، كلها سلوكيات تمارس يومياً، في مشهد يعكس صلابة المجتمع الحلبي في وجه الأزمات، ليبقى الأمل في غد أفضل، هو الدافع الوحيد للاستمرار.