الثورة – عمار النعمة:
ما من أمة على وجه الأرض إلا وتعمل جاهدة على أن تبقى جذورها قوية ممتدة في عمق التاريخ والحضارة، وأن يشار إليها دائماً على أنها صاحبة ثراء ثقافي ومعرفي وإنساني، وهذا لا يكون إلا من خلال ما أنجزه الأجداد والآباء ويكمله الأبناء عبر رحلة الفعل.
إنه تراثها الثقافي بشقيه المادي والشفوي، ولا نظن أن بلداً في العالم لديه ما لدى سوريا، أو يكتنز ما تكتنز من تراث لا مثيل له.
عشرة آلاف موقع أثري مكتشفة حتى الآن، وتحت كل حجر حكاية ورواية، وهي كما يقال متحفاً في الهواء الطلق..هذا التراث المادي يرافقه تراث قيمي وروحي يمثل ضمير الإنجاز الشعبي، من حكايات وروايات وأساطير.. والتراث ليس حجارة وكتباً وكفى، بل هو أغان ومقولات ولباس وعادات وتقاليد.
تراثنا الحضاري والثقافي والإنساني هو غني عن التعريف، لأنه يسكن أعماقنا، وهو هويتنا الحقيقية التي نعتز بها عبر الزمان والمكان، فالتراث بكل مكوناته وأشكاله يمثـل الهوية الوطنية لنا جميعاً، ولهذا علينا أن نعمل دائماً على صونه وحمايته وجمعه والتذكير به والعمل على توثيقه من خلال الوسائل الكثيرة، ونشره في العالم، وتقديمه بهويته السورية، لأنه معرّض للسرقة من قبل لصوص الحضارات، ونعرف كيف يتصرف “الكيان الصهيوني” ويسرق تراثنا وتاريخنا.. ناهيك عن ثورات التكنولوجية المتتالية والسريعة التي يندمج معها الغالبية العظمى، ذلك لأن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مركز اهتمام الناس وشغلهم الشاغل، وبالتالي لا بدّ أن نحمي موروثنا التراثي من الاندثار من خلال التوثيق والتدوين، إلكترونياً وورقياً، مع التركيز على التوثيق الورقي أكثر لأن ذاكرة التكنولوجيا غبارية، وهي ليست بأيدينا بل بأيدي الآخرين.
سوريا التي قدمت للعالم تهتم وترسم درباً للأمل والعمل، وتعيد ترميم آثارها لتعود كما كانت عليه، هي ليست الوحيدة في سعيها لحماية تراثها، بل لكل مدرك لقيمة هذا التراث الفريد في تنوعه وغناه، ففي كل شبر من سوريا حكاية إبداع وقصة لحدث حضاري وإنجاز معرفي.
حماية التراث الثقافي واجب مشترك بين الأفراد، المجتمعات، والمؤسسات، ووسيلة لتعزيز هويتنا تنوعنا الإنساني الذي يجعل عالمنا غنياً ومتنوعاً من خلال التوثيق، التوعية، والتعليم، ليظل هذا التراث شاهداً على إنجازاتنا وهويتنا المشتركة.
إن طرق الحفاظ على تراثنا ومحاولة إحيائه، وتوظيفه واستثماره، والتوعية به والإعلام عنه واجب علينا جميعاً، فذاك الثراء والتنوع التراثي العريق الممتد تاريخياً ومكانياً، جدير بأن نكتب عنه ونلتفت إليه جميعاً، فصون التراث هو حماية لجذور الأمة وقوة لفروع نهضتها وعزتها.