بذلة للرجال مكونة من قطعتين فقط (سروال وسترته) من نوعية متوسطة إن لم يكن أقل، يصل سعرها إلى 200 ألف ليرة سورية، أما النوعية الجيدة من قماش مدموج يتغلب فيه البوليستر على سواه فسعرها 350 ألف ليرة سورية، وإن رغب من اعتاد على ارتداء الصوف (الذي يعتبر أفضل أنواع الخيوط للبذلات الرجالية) بشراء بذلة فعليه التسلّح بنحو مليون ليرة!!
ليست الأسعار هي الغريبة، بل الغريب هو من حدد هذه الأسعار ومن قبل بها ومن غض البصر عنها، فحتى في الأسواق المجاورة التي نتغنى بأننا أرخص منها، باتت الأسعار أرخص تجاه القدرة الشرائية للمواطن هناك، وباتت مقصداً للمواطن السوري يوصي من يذهب إليها لإحضار ما يلزمه منها، في وقت بات فيه المواطن يدرك بعد تجربة مريرة تدني جودة المنتج الوطني الذي يتعامل صناعيوه معنا وكأنه قدر، على اعتبار مسألة حماية المنتج الوطني حتى يشتد عوده ويصبح قادراً على المنافسة هي السائدة، وسواها من النغمات المشابهة..!!
كلنا يدرك أن مسألة حماية المنتج الوطني وُضعت بهدف تطوير الإنتاج حقيقة لا قولاً، ولكنها خرجت تماماً عن هذا الهدف بعد أن انتفت المتابعة وتقييم نتائج كل مرحلة، ناهيك عن إدراك الصناعيين لهذا الواقع، فكانت النتيجة احتكاراً شديد السوء لا بديل له، لكون المنتج يعرف أن كل ما يطرحه في السوق سيُستهلك حكماً لأنه ما من بديل عنه، في حين أن الإنتاج الوطني الذي تمتع بهذه الحصرية حتى ينمو ويكبر بات مكروهاً من المواطن لارتفاع أسعاره (تحقيقاً لمعادلة فحش الربح) وانتفاء جودته.. والمحال وأسعارها شاهد على ذلك، بل لا يكلف أصحابها أنفسهم عناء إخفاء هذه الحقيقة بل يبرزونها لأنّ ما من محاسبة لهم، لا صناعية ولا تموينية..!
لعل الحل يكمن في أحد طريقين اثنين: فإما وضع الإنتاج الوطني على المحك وإلزامه بجودة محددة وسعر لا يتجاوز الربح فيه هامشاً مقبولاً، لأنه بات مترهلاً ومدركاً لمزاياه ولن يتطور والحال كذلك إلى يوم الدين، بل فقط يراكم لأصحابه الأرباح، وإما السماح الهادئ أو التدريجي لبعض المنتجات المشابهة بدخول الأسواق كنوع من التحفيز للإنتاج الوطني، وفي نفس الوقت منح المواطن فرصة للإفادة من مزية واحدة من المزايا التي تمتع بها الصناعيون.. ولو لمرة واحدة..!!