يعيش العالم حالة من الترقب والانتظار لما ستؤول إليه تداعيات الأزمة الأوكرانية التي تسبب بها حلف شمال الأطلسي “الناتو” بتمدده المخالف للاتفاقيات بينه وبين روسيا الاتحادية والتي تمنع على الناتو ضم أي دول لها حدود مشتركة مع روسيا الاتحادية.
هذا المخاض الذي يمر فيه العالم والذي لا شك سينتهي بواقع عالمي جديد تحدده نتائج المعركة الروسية – الأطلسية غير المباشرة على الساحة الأوكرانية وضع الكثير من الدول وخاصة في الاتحاد الأوروبي أمام مفاضلة صعبة ومعقدة؛ فإما أن تكون هذه الحكومات مع شعوبها التي بدأت تعاني من ارتداد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها بلادها على روسيا عليها أو أن تبقى خاضعة للقرار والإرادة الأميركية بما يحمل ذلك من مخاطر أمنية وعسكرية واقتصادية لاحقة في حال تمددت.
حتى اليوم لا يمكن الجزم بانتصار أي من الفريقين المتصارعين على الساحة الأوكرانية وامتداداتها على المستوى العالمي ولكن يمكن قراءة وتحليل بعض المؤشرات والمفرزات الناجمة عن الأزمة الأوكرانية للاستدلال على النتائج التي سترسم معالم العالم الجديد.
أولى المؤشرات هذه يمكن ملاحظتها في عدم تجانس المواقف الأوروبية إزاء العقوبات التي فرضت على روسيا ولجوء بعض دول الاتحاد من تحت الطاولة للتفاهم مع موسكو في مجال توريدات الطاقة وبعض القضايا الأمنية.
وثاني الملاحظات تتبدى في موقف الصين كقوة اقتصادية وعسكرية عالمية ومعارضتها الشديدة للتوجهات الغربية في التعامل مع الأزمة الأوكرانية وهذا الموقف يشكل عامل ضغط بالنسبة للتوجه الأميركي بإطالة أمد الحرب بهدف استنزاف روسيا.
وثالث هذه المؤشرات هو ما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية حول مقاطعة القادة المكسيكيين والبرازيليين وغيرهم من أميركا الجنوبية لقمة الأميركيتين المقررة في لوس أنجلوس بعد نحو ثلاثة أسابيع والذي اعتبرته الصحيفة ضربة مذلة للرئيس الأميركي جو بايدن منطلقة من أن هذا الحدث الذي كان يريد من خلاله الرئيس الأميركي استعراض القيادة الأميركية في تلك المنطقة تحول إلى عبء على البيت الأبيض مع مقاطعة رئيسي المكسيك والبرازيل للقمة إضافة إلى بعض رؤساء دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
أما المؤشر الرابع والأخير فهو عجز واشنطن عن إيقاف العملية الروسية في أوكرانيا وإخفاء تورطها في إنشاء مخابر أسلحة بيولوجية في هذا البلد إضافة لفشلها في تدمير الاقتصاد الروسي الذي صمد أمام حزم العقوبات الغربية غير المسبوقة وتحسن أدائه بفضل الإجراءات الاقتصادية الروسية وقوة هذا الاقتصاد الذي اعتقدت واشنطن أن تدميره سيؤدي إلى خسارة روسيا الحرب.
إن ما كشفته الصحيفة الأميركية بخصوص قمة الأميركيتين يكشف ضعف الولايات المتحدة فيما تسميته حديقتها الخلفية وهو ما ستلتقطه الحكومات الأخرى في العالم ومنها الحكومات الأوروبية وتعيد حساباتها من جديد في ظل عجز واشنطن عن الإيفاء بوعودها لهذه الحكومات بتأمين مصادر طاقة جديدة تعوضها عن المصادر الروسية.
كل الأدلة المتاحة تؤكد أن ما خططت له إدارة بايدن للإيقاع بروسيا انقلب جزء كبير منه على حلفائها الأوروبيين، وما تنشره وسائل الإعلام الأوروبية سواء عن أفعال المتطرفين والنازيين الإجرامية في أوكرانيا وعن مضي روسيا في تحقيق أجندتها لحماية أمنها القومي ونمو الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي من جهة وأعضاء الأطلسي من جهة ثانية يمهد لانقلاب السحر على الساحر الأميركي وقيام عالم متعدد القطبية ينهي حقبة الهيمنة الأميركية المريرة.