كتب عبد الحليم سعود:
قد لا يكون هناك ما هو أكثر فجوراً وغطرسة وانفصالاً عن الواقع من أن تدعي جهة ما الإنسانية والسعي لضمان مستقبل شعب ما في الوقت الذي تقوم فيه هذه الجهة بارتكاب أبشع الانتهاكات من احتلال وعدوان وتدمير وقتل وحصار وفرض عقوبات بحق هذا الشعب.. هذا المشهد يلخص بكل دقة ما يسمى مؤتمرات بروكسل المعنية بالأزمة في سورية ولاسيما المؤتمر الذي عقد في الأيام الماضية تحت عنوان “دعم مستقبل سورية والمنطقة” في العاصمة البلجيكية، حيث تم تخصيص مبالغ مالية من المرجح والمؤكد بالنظر إلى مؤتمرات سابقة أن تذهب إلى تسليح ودعم ما تبقى من إرهابيين في إدلب وشمال حلب وتشجيع المليشيات العميلة في الجزيرة السورية على المضي في مشروعها الانفصالي المخالف للقانون الدولي الداعي إلى احترام سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية.
كيف يمكن أن يكون لمؤتمر تحضره دول في معظمها معادية للدولة والشعب في سورية وتآمرت عليهما خلال سنوات الحرب أن يتخذ قرارات تخدم مستقبل سورية أو الشعب السوري، فيما الدولة السورية وحلفاؤها مغيبون عن المؤتمر، إذ لا يعدو هذا المؤتمر وغيره من الفعاليات المشابهة أن يكون إلا تدخلا جديدا بالشؤون السورية الداخلية تحت غطاء إنساني لا يمت للإنسانية بأي صلة، ثم إن المؤتمر ليس برعاية الأمم المتحدة بل هي مجرد ضيف هامشي أقرب إلى شاهد زور لأن الولايات المتحدة الأميركية اعتادت أن تصادر دور ووظيفة هذه المنظمة الدولية وتسخرها لخدمة مصالحها الخاصة، حاشدة كل الدول التي تدور في فلكها.
المؤتمر يحمل أجندة تضليلية واضحة المعالم بادعائه الكاذب والمخادع الحرص على مستقبل سورية وعودة اللاجئين السوريين من الخارج، والغاية منها ذر الرماد في عيون المجتمع الدولي وإيجاد طرق ملتوية لتقديم دعم مباشر لما تبقى من جماعات إرهابية وانفصالية بهدف عرقلة حل الأزمة في سورية وتأخير إنهاء الحرب، فعدم دعوة طرف دولي وازن ومهم مثل روسيا، هو محاولة يائسة لاستبعاد الدور الروسي الفاعل في الحرب على الإرهاب، ولا يحمل أي مؤشر إيجابي لجهة محاربة الإرهاب وعودة السلام والاستقرار إلى سورية .
ولعل السؤال البديهي الذي يطرح نفسه هنا كيف سيقوم المؤتمر بدعم “مستقبل سورية” بعيداً عن مساهمة وحضور الدولة السورية ومؤسساتها الرسمية التي تسيطر على معظم الجغرافيا ويتبع لها أغلبية الشعب السوري..؟ بل كيف يثق السوريون بهكذا مؤتمر بعد أن سخرت دوراته الخمسة السابقة لتهميش الدولة السورية في مقابل إعطاء دور أكبر لمن يمثل الإرهابيين ويعمل من ضمن أجندة الدول المشاركة في المؤتمر.
لقد كانت جلسات مجلس الأمن الدولي المخصصة للشأن السوري خلال السنوات الماضية ساحة صراع بين أميركا وحلفائها وبين كل من روسيا والصين وأصدقاء سورية، لطالما حاول أعداء سورية أن يمرروا أجنداتهم المعادية على حساب مصالح السوريين، ولا أحد يستطيع أن ينكر أو يتجاهل أن الدعم الغربي للإرهابيين هو الذي أسهم بأزمة التهجير واللجوء وليس من الإنصاف أو الموضوعية أن يظن أحد أو يعتقد أن هذا الدعم قد توقف.. فما زالت الجماعات الإرهابية والانفصالية تحصل على هذا الدعم تحت ستار من الإنسانية الكاذبة وبذريعة إيصال المساعدات إلى اللاجئين والمهجرين، والجميع يعلم من الذي يعرقل عودة اللاجئين من دول الجوار ومن يسعى للمصالحة وتهيئة الظروف المناسبة لعودتهم، حيث عقدت سورية وروسيا مؤتمرين من أجل هذا الغرض حشدت فيه كل الامكانات المتاحة لإنجاحهما لكن الدول الغربية هي التي قاطعت وحاولت النيل من الجهود المبذولة.
المؤتمر سياسي بامتياز ولا صلة له بالإنسانية لأنه يتجاهل المشكلة الحقيقية وهي الاحتلال الأجنبي للأراضي السورية ووجود الإرهابيين والعقوبات المفروضة بحق السوريين، وهذا مخالف لمبادئ وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالعمل الإنساني، ولذلك لا مبرر له سوى أنه مؤتمر كيدي تجاه روسيا بسبب الحرب الأوكرانية.
