صحيح أنه لا يختلف اثنان على أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تأسيس الأرضية الملائمة للنهوض بالاقتصاد الإنتاجي والذي يعتبر بدوره عماد النهوض الاقتصادي العام، ناهيك عن دور هذه المشاريع في امتصاص جزء لا بأس به من العمالة الموجودة وبشكل مستمر كما المتوالية الحسابية.
وصحيح كذلك أن أهمية هذه النوعية من المشروعات تكمن في متابعتها ورعايتها بشكل دائم وتأمين احتياجاتها حتى لو أصابت النجاح لكونها غير قادرة على المواجهة أو المنافسة، وهنا جوهر الأمر إذ أن تشابك عمل مجموعة واحدة -مبدئيا- من هذه المشاريع يعني التوصل إلى مشروع ذي مستوى أعلى من البقية ليكون قد وصل إلى المرحلة الثالثة هنا وهو التشبيك بين مجموعة من هذه المشاريع للوصول إلى مشروع كبير قادر على فرض قراره ورؤيته ضمن قطاع إنتاجي محدد.
هذه الآلية التي لا زلنا نفتقد لها في مشروعاتنا تُعرف في أدبيات الاقتصاد الحديث بالعناقيد الصناعية لكونها تحقق التشابك المتدلّي صعوداً وصولاً الى المشروع الكبير انطلاقاً من المشروع الذي قد يراه بعض الجهابذة هامشي أو خارج التصنيف، كما الخلية الأم في الفيزياء أو في جسم الإنسان، فهي الأساس الذي قام عليه كل شيء كما هي أصغر شيء في كل شيء.
جميل ومبشّر هو مشهد المشاريع المتوسطة والصغيرة وانتشارها الخجول بعض الشيء في مناطق البلاد، وجميل هو إفساحها لنفسها مساحة على الخارطة الاقتصادية (بالرغم من كونها لا تزال في مرحلة الخلية)، ولكن الأجمل هو مباشرة تشبيك هذه المشاريع مع بعضها البعض، فليس بالضرورة أن يكون كلها إنتاجي مباشر بل يمكن أن يكون خدمي، فإنتاج ثمرة ما يوجب ان يتولى مشروع صغير آخر الفرز والتوضيب وثالث النقل إلى سوق الاستهلاك المباشر أو إلى موزع الجملة في المحافظة حسب مصلحة المشاريع الصغيرة.
الرؤية ممتازة والاستراتيجية في مرحلتها الحالية ممتازة وتوسعة الأفق وتحديثه ضرورة لاستمرار نجاح هذا القطاع، فدول أخرى تعدادها يقارب المليار نسمة كالهند نجحت في تشغيل مئات الملايين من عمالتها وحققت نهضة اقتصادية سُميت حينها بنهضة الثلاث عجلات (نسبة بعربة ذات العجلات الثلاث).. كل ذلك نهض ونجح عبر عبارة واضحة صريحة من كلمتين: العناقيد الصناعية.