الثورة- حسين صقر:
من المعروف أن القانون يحدد المعايير الأساسية الواجب اتباعها للحفاظ على النظام العام والفصل في النزاعات والخلافات بين الأفراد والدول، وذلك من خلال دليل واضح للسلوك المقبول كحدٍ أدنى في المجتمع، فعلى سبيل المثال التسبب بإصابات جسدية لشخص ما يعتبر انتهاكاً وجريمة، واعتداء سافراً لا يسامح عليه القانون، لأن الأخير معني بتوفير نظام يتوافق وإرشادات المجتمع ومُثُلِه التي تتغير وتتجدد باستمرار كلما دعت الحاجة لذلك، وسريان التقادم على العقوبة الجنائية الصادرة غيابياً إحدى النوافذ التي نطل من خلالها على معرفتنا بتلك القوانين، وسؤالنا اليوم متى يسري التقادم على العقوبة الجنائية الصادرة غيابياً.
للإجابة على هذا السؤال تقول المحامية مطيعة الشلبي: تتعدد الحالات التي تسقط فيها الأحكام بالتقادم عن العقوبات الجنائية، ولكن سوف نوجز بأهم النقاط التي تعطي فكرة عامة حول هذا الموضوع، معرفةً التقادم بأنه يعني تحديد القانون مدة تنتهي بعدها الدعوى الجنائية، ولا يجوز التعرض لبحث موضوعها بعد انقضاء تلك المدة من تاريخ ارتكاب الواقعة وحتى تاريخ اكتشافها أو تاريخ اتخاذ آخر إجراء صحيح في الدعوى.
وأوضحت الشلبي أن القانون والفقه وضعا تنظيماً قانونياً للجرائم الجنائية من حيث المراحل التي تمر بها الواقعة، حيث تبدأ المرحلة الأولى وهي
مرحلة الدعوى الجنائية والتي تبدأ من لحظة وقوع الجريمة ومروراً باكتشافها ومرحلة جمع الاستدلالات والتحقيق، والتي تنتهي بإحالتها إلى المحكمة ثم صدور حكم فيها حضوريا أو غيابياً، لتبدأ المرحلة الثانية، وهي مرحلة الحكم الجنائي الصادر من المحكمة وما يؤول إليه هذا الحكم بشكل نهائي سواء حضر المتهم من أول جلسات المحاكمة أم لم يحضر، والطعن على الحكم بالاستئناف، إلى حين الفصل فيه بحكم نهائي، كما جعل القانون للإعلان دوراً مهماً في المجال الجنائي، حيث جعله سبباً في تحول الجريمة من مرحلة الدعوى إلى مرحلة العقوبة أو الحكم واجب النفاذ.
ولقد رتب القانون على إعلان المتهم بالدعوى بأمر الإحالة أحجية قانونية ضد المتهم وجعل هذا الإعلان قاطعاً لتقادم الدعوى الجنائية، وكذلك إعلان الحكم الغيابي، ورتب عليهما المشرع انتقال الدعوى الجنائية من مرحلة انقضاء الدعوى إلى مرحلة سقوط العقوبة، وإن كان هذا الأمر هو في الحقيقة محل خلاف بين العديد من الأحكام والمبادئ التي أصدرتها العديد من دوائر محكمة النقض، وهذا ما سوف نتعرض له في هذا الموضوع، وبيان ذلك.
وأضافت أن المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه تنقضي الدعوى الجنائية في مواد الجنايات بمضي عشر سنين من تاريخ وقوع الجريمة، وفي مواد الجنح بمضي ثلاثة، وفي مواد المخالفات بمضي سنة ما لم ينص القانون خلاف ذلك، إلا أن هذا التقادم قد يتعرض للانقطاع طبقاً لنص المادة 17 من قانون الإجراءات والتي تنص على أنه تنقطع المدة بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وكذلك بالأمر الجنائي أو بإجراءات الاستدلال إذا اتخذت في مواجهة المتهم، أو إذا أخطر بها بوجه رسمي وتسري المدة من جديد ابتداءً من يوم الانقطاع، وإذا تعددت الإجراءات التي تقطع المدة فإن سريان المدة يبدأ من تاريخ آخر إجراء،
وأوضحت الشلبي أنه جاءت تلك المادة بعدة حالات تنقطع بها الدعوى الجنائية وهي حالات وردت على سبيل المثال لا الحصر، أنه لا يجوز التوسع فيها لأنها تتعلق بالنظام العام، وتلك الحالات هي تنقطع مدة التقادم بإجراءات التحقيق التي تتم في الدعوى، والتحقيق وهو ما تقوم به النيابة العامة أو قاضي التحقيق المنتدب من تحقيقات قضائية في الدعوى، فلا يكون تحقيقاً ما لم يتم بمعرفة مأموري الضبط القضائي من إجراءات جمع الاستدلالات، كما تنقطع بتوجيه الاتهام إلى المتهم سواء كان بإعلان أمر الإحالة إليه أو بتوجيه الاتهام إلى المتهم أثناء التحقيقات.
كما تنقطع بإجراءات المحاكمة، حيث تتم إحالة الدعوى الجنائية إلى المحكمة للفصل فيها ثم تولي المحكمة نظر الدعوى وصدور حكم غيابي في الدعوى، وذلك لأن الحكم الحضوري تتحول به الدعوى من تقادم دعوى إلى سقوط عقوبة، كذلك تنقطع مدة التقادم بصدور أمر جنائي في الدعوى، سواء كان هذا الأمر صادرا من المحكمة أو النيابة العامة في الحالات التي ينص عليها القانون، وهذا الأمر يشترط أن يكون الأمر قد صدر بشكل غيابي.
وقالت الشلبي تنقطع مدة التقادم أيضاً بأي إجراء من إجراءات الاستدلال التي تتخذ في الدعوى ويشترط أن تكون قد تمت في مواجهه المتهم، حيث لم يساو المشرع في هذا الإجراء الذي يتم من مأموري الضبط القضائي والذي يتولى جمع الاستدلالات وبين الإجراء الذي يتم بمعرفة النيابة العامة أو المحكمة مثل إجراءات التحقيق والتي تتم جميعها بمعرفة جهة قضائية.