جيل بلا مرجعية.. عندما صنعت الحرب والمحتوى الرقمي شباباً تائهاً في متاهة القيم

الثورة – إيمان زرزور:

يتميز المجتمع السوري بطابعه المحافظ، إذ سيطرت عليه منظومة متماسكة من القيم الأسرية والتعليمية والدينية، ضمن بيئة مغلقة نسبياً، يندر فيها الانفتاح غير المنضبط على العالم الخارجي، حيث كان الوصول إلى الإنترنت محدوداً وتحت رقابة صارمة، ولم تكن وسائل التواصل الاجتماعي متاحة بحرية، ما جعل المواطن محاطاً بدائرة ضيقة من التأثيرات.

لكن مع اندلاع الحرب، انهارت هذه البُنى بالتدريج، وتعرّض النسيج الاجتماعي السوري لتفكك عميق، فملايين السوريين وجدوا أنفسهم في المنافي الداخلية والخارجية، في بيئات ثقافية غريبة وغير مألوفة، تزامن ذلك مع انفتاح رقمي غير مسبوق، ودخول عشوائي إلى فضاءات الإنترنت والمحتوى الرقمي دون أي رقابة أو توجيه تربوي، ما أدى إلى نشوء جيل يعيش في حالة “انكشاف ثقافي غير محكوم”، وسط فراغ معرفي وأخلاقي حاد، تَشكّل فيه ما يُشبه جيلًا بلا مرجعية.

نشأ هذا الجيل في ظل غياب شبه كامل لأربعة أنواع أساسية من المرجعية: أولها “المرجعية الأسرية” بعد أن فقد كثير من الأطفال آباءهم، أو انفصلوا عن أمهاتهم، أو تم تهجيرهم بعيداً عن أسرهم، و”المرجعية الدينية المتوازنة” إذ ضاعت ملامح الخطاب الديني المعتدل بين التشدد من جهة، والتجاهل من جهة أخرى، كذلك “المرجعية الثقافية الوطنية” بسبب تقهقر دور التعليم الرسمي، وتآكل الخطاب الثقافي العام، و”المرجعية التربوية والتعليمية” مع تدهور البنية المدرسية، وغياب المعلم كمصدر قدوة وقيمة، وتشتت الجيل وضياعه في المخيمات ودول اللجوء وتوجه الأطفال للعمل بدل العلم.

في ظل هذا الغياب، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الرقمي المصدر الرئيسي لتشكيل الوعي، فتسللت القيم الاستهلاكية والسطحية، وانتشرت القدوات الزائفة والمؤثرون الذين يقدمون محتوى فارغاً أو مضللاً، بعيداً عن أي مضمون تربوي أو إنساني حقيقي.

ومن العوامل التي ساعدت في تعميق الأزمة هي “الحرب والتهجير” تسببت الحرب في تشتيت الأسر، وفقدان الكثير من الأطفال لمحيطهم التربوي الطبيعي، و”الانفجار الرقمي” بعد أن كان الإنترنت محدوداً، بات متاحاً دون ضوابط، رافقه دخول عشوائي للهواتف الذكية والمنصات الرقمية دون تهيئة تربوية أو وعي رقمي، علاوة عن “الانكشاف الثقافي المفاجئ” إذ وجد الشباب السوري، خاصة في بلدان اللجوء، أنفسهم أمام ثقافات مغايرة دون أدوات نقد أو مرشحات، ما زاد من حالة التيه الثقافي والهوية الممزقة.

هذا الواقع، يجعل الأسرة في صادرة الجهات التي يجب أن تتحمل المسؤولية في استعادة دورها في التربية بالقدوة، وتعزيز الرقابة الواعية، وبناء شعور الانتماء لدى الطفل، كما أن للسلطة في سوريا مسؤولية كبيرة فهي مطالبة بتطوير التعليم، وتفعيل دور الإعلام الهادف، وسنّ تشريعات لحماية الوعي الرقمي، وبثّ خطاب ثقافي وطني متجدد.

ويبرز دور الإعلام من خلال التركيز على تقديم محتوى جذاب يوازي ما يجذب الشباب رقمياً، مع إبراز نماذج حقيقية وواقعية يمكن أن تلعب دور القدوة، إضافة إلى المؤسسات الرسمية الدينية التي يجب أن تقدم خطاباً وسطياً معتدلاً، بلغة قريبة من الجيل الجديد، تعيد ربط الشباب بالقيم الدينية والإنسانية بطريقة معاصرة.

ما يواجهه الجيل السوري اليوم ليس أزمة أخلاق أو كفاءة، بل أزمة مرجعية سببتها الحرب والفوضى الرقمية، وخلّفت فراغاً في التوجيه والقدوة، واستعادة هذا الجيل إلى موقعه في مشروع بناء سوريا المستقبل، ليست مهمة مستحيلة، لكنها تتطلب تضافراً وطنياً صادقاً بين الأسرة والدولة والإعلام والمؤسسة الدينية.

آخر الأخبار
مرسوم بمنح الموفد سنة من أجل استكمال إجراءات تعيينه إذا حصل على المؤهل العلمي مرسوم يقضي بالسماح لطلاب المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا المنقطعين بسبب الثورة بالتقدم بطلب... مرسوم بمنح الطالب المستنفد فرص الرسوب في الجامعات والمعاهد عاماً دراسياً استثنائياً مرسومان بتعيين السيدين.. عبود رئيساً لجامعة إدلب وقلب اللوز رئيساً لجامعة حماة   انفجارات في سماء الجنوب السوري منذ قليل إثر اعتراض صواريخ إيرانية أوقاف حلب.. حملة لتوثيق العقارات الوقفية وحمايتها من المخالفات والتعديات تفعيل النشاط المصرفي في حسياء الصناعية تحديد مسارات تطوير التعليم في سوريا تعاون  بين التربية و الخارجية لدعم التعليم خطط لتطوير التعليم الخاص ضمن استراتيجية "التربية"   تجارة درعا.. تعاون إنساني وصحي وتنموي مع "اينيرسيز" و"أوسم" الخيرية بدء توثيق بيانات المركبات بطرطوس الهجمات تتصاعد لليوم الرابع.. والخسائر تتزايد في إيران وإسرائيل صالح لـ (الثورة): أولى تحدّيات المرحلة الانتقالية تحقيق الاستقرار والسلم الأهل مشاركون في مؤتمر "الطاقات المتجددة" لـ"الثورة ": استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة ودعم البحث العلمي قتلَ وعذبَ معتقلين في مشفى المزة العسكري.. ألمانيا تحكم بالمؤبد على أحد مجرمي النظام المخلوع  "تجارة إسطنبول": نجري في سوريا دراسة ميدانية لفرص الاستثمار "الفيتو الأميركي".. هل حال دون اغتيال خامنئي؟.. نتنياهو يعلّق الفساد المدمِّر.. سرقة الكهرباء نموذجاً عطري: العدادات الذكية ليست حلماً بعيداً بل هي حل واقعي عودة أولى للمهجّرين إلى بلدة الهبيط.. بداية استعادة الحياة في القرى بعد التهجير