ثورة أون لاين- كتب رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم: لا أحد ينكر وجود هواجس، وأحياناً مخاوف تحاكي في معظمها عوامل قلق من النيات التي تقف خلف الكثير من المواقف الغربية والعربية والإقليمية، خصوصاً أن التجربة في المنطقة والتفاصيل التي تكشفت تدفع بهذه وتلك إلى الحضور مباشرة عند أي مفترق أو نقطة فاصلة. هذه الهواجس التي يعلو أحياناً صوت السوريين في الحديث عنها، وللأخذ بتداعياتها على محمل الجد، نجزم أنها لا تغيب عن ذهن أي سوري، ومن ثمّ فإن مشروعيتها لا تستمدها فقط من منطقية طرحها، إنما أيضاً من سياق الاجماع عليها. لكن على المقلب الآخر لابد من التوقّف عند جملة من الاعتبارات لكي يكون هناك وضوح في الصورة، وفي المقدمة التحليلات والتفسيرات التي يشطح بها خيال البعض، ولاسيما المتربصين بسورية حول بعض التفاصيل والمفردات التي يتم تداولها والمتعلقة بمهمة كوفي أنان وقرار مجلس الأمن الأخير. في المبدأ نستطيع أن نجزم أن كل تلك التفسيرات والتحليلات ليست بريئة، ونستطيع أيضاً أن نحسم بأن جزءاً كبيراً منها حمّل المسألة أكبر مما تحتمل، وأعطاها أبعد مما تتضمن على قاعدة استخدام التضخيم كجزء من الحرب النفسية والإعلامية، وتوظيف التشظيات التي قادت إليها في الكثير من التفاصيل. الأخطر أن الاعتماد على تلك التحليلات قاد إلى ما يشبه الحملة المنظمة بأبعاد ومستويات تتعدد بتعدد الأطر والخلفيات التي تقود إليها، فحملت خطاباً مغرقاً في ازدواجيته من جهة ومتخماً بالتناقضات التي ينطوي عليها من جهة أخرى.
لذلك ربما امتلكت تلك الهواجس والمخاوف المزيد من مشروعيتها أمام هذا القصف المتواصل دون توقف، والمدعّم بخطاب تحريضي وحالة من التجييش المستمر مع تصاعد في لغة التشكيك حيال مهمة المبعوث الدولي، وأحياناً نعيها ودفنها قبل أن تبدأ.
ويترافق ذلك كله مع ازدواجية فاقعة في الأداء لم تترك مساحة صغيرة ولا كبيرة إلا استغلتها من أجل الضغط السياسي والدبلوماسي والإعلامي، الذي أمطر مهمة المبعوث الدولي بوابل من الشكوك المفخخة حول الدور الذي يراد للمراقبين أن يؤدوه، خصوصاً أنه يعيد إلى الذاكرة مناخ الأيام الأولى من مهمة المراقبين العرب، وتحديداً ما يتعلق بالتسريبات والتسريبات المضادة.
ويقدم الخطاب الغربي وبعض العربي والإقليمي تناقضاته على طاولة واحدة.. ويفرغ في الآن ذاته شعاراته من أي مضمون كما هي ادعاءاته، فيما الازدواجية السياسية الحاضرة في كل التفاصيل تتوازى مع التناقضات التي تنطوي عليها ممارساته.
في السطر الأول يؤجج حالة التصعيد ويدعم ويحرض ويجيش عوامل الأزمة، وفي السطر الثاني يتحدث عن دعم مهمة المبعوث الدولي التي سبق له أن طرحها، على رهان أن هناك مَنْ سيرفضها.
وفق هذا المعيار ثمة حالة من الالتباس التي يريد تسويقها تحت حجج بدت للوهلة الأولى أنها بتصنيع أجاد في تقانته، وإذ به يكشف عن سذاجة سياسية حين يبدو تابعاً لخطاب تعبوي مغرق في فرديته ومحدوديته عبر تتبع مفرداته المستحدثة والطارئة.
لا نعتقد أن هناك من يجهل أن هذا الإغراق في تمرير ذلك الخطاب تحت لافتة خلق مساحات كبرى للهواجس تلك وإنبات المزيد من المخاوف مما ينتظر، دون أن يدركوا أن إمطار السوريين بكل هذه التسريبات والتحليلات لم يعد يجدي نفعاً بعد أن خبروها لزمن طويل.
فإذا كان الكثير من الهواجس مفهومة الأسباب والدوافع ومشروعة، فإن المبالغة في المخاوف تفقد تلك المشروعية لعاملين أساسيين.. الأول يتعلق بالتجربة السياسية السورية وكفاءتها، والثاني وهو الأهم يتصل بالخبرات المتراكمة لدى السوريين في تجاوز المفازات الصعبة وقلب المعادلات، ولو احتاج الأمر الانتظار حتى إلى ما قبل اللحظة الأخيرة، أو استدعى وفق بعض وجهات النظر اللحظة الأخيرة ذاتها.
a-k-67@maktoob.com
عن جريدة الثورة