لا تبدو التصريحات التي تواترت على نقلها وسائل الإعلام الأميركية – نقلاً عن مسؤولين وساسة اميركيين -، حول فقدان الولايات المتحدة لقدرتها على حماية النظام العالمي، لا تبدو مثيرة للسخرية والاستهزاء فحسب، بل تبدو مثيرة للضحك المفرط، إلا أنها ورغم ذلك فهي تحمل بين طياتها الكثير من الحقيقة التي باتت واضحة وساطعة كضوء الشمس.
فالولايات المتحدة لم تكن كما تدعي في يوم من الأيام (حامية) للنظام العالمي، بل على العكس من ذلك تماماً، فهي لطالما كانت من أكثر الدول التي ساهمت بتدمير (النظام) العالمي، ومن أكثر الدول التي خلفت ونشرت الفوضى والخراب والدمار لأنها ببساطة كانت دائماً تلهث خلف مصالحها ومشاريعها الاحتلالية والاستعمارية التي تمكنها من تدمير وانتهاك الدول والشعوب، ونهب خيراتها وثرواتها، وسلبها كرامتها وإرادتها وقرارها، بما يمكنها من البقاء قوة وحيدة مهيمنة ومتسلطة وممسكة بزمام الأمور ومفاتيح العالم.
الحقيقة الأهم في تلك التصريحات، هي أن الولايات المتحدة قد فقدت فعلاً القدرة على أن تبقى قوة آحادية ومهيمنة، وهذا ما تؤكده الوقائع على الأرض أكثر من التصريحات، ولاسيما بعيد التحولات الكبرى التي ضربت المشهد الدولي والإقليمي مؤخراً، وتحديداً عقب العملية الروسية للقضاء على النازية في أوكرانيا التي رسمت ملامح نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وأكثر عدالة وتوازناً.
أميركا اليوم ومن خلفها أتباعها وأدواتها في حالة من الضياع والهستيريا والتي تدفعها إلى التصعيد على أكثر من جبهة، كامتداد لمحاولاتها الاستراتيجية لإبقاء الإرهاب والفوضى كخيار وحيد بالنسبة لها، وهو الخيار الذي تجهد لإعادة تكريسه واقعاً يمكنها من الهيمنة والتسلط وفرض قراراتها وخياراتها على العالم.