للعيد أبواب كثيرة يقرعها ليدخل منها.. وحيناً يأتي على استحياء إذا ما كان الناس في ضائقة ما، وأحياناً يأتي بفرح يغمر القلوب.. نحتفي به كمدلول ديني له قداسته، وتعلو فيه أصوات المنشدين بالابتهالات، وتصدح المآذن بالصلاة والدعاء.. ونحتفي به أيضاً كمعنى إنساني يحمل التسامح، والمودة التي تؤكد الروابط الأصيلة بين أبناء الأسرة الواحدة، كما بين أبناء الحي الواحد، والأقارب، والجيران ولو كان بينهم شجار، أو خصومة ليمحوها صفاء العيد كظاهرة صحية.
وللعيد باب لمكاسب التجارة على اختلاف بضائعها، وخاصة فيما يختص منها بالصغار وهم يحومون كالعصافير حول أفراحهم البسيطة، ومباهجهم البريئة.. ووسائل الترفيه لا تعدم سبلها هي الأخرى في مثل هذه المواسم.. وكذلك دور السينما لكنها غالباً ما تشارك بأفلام رديئة لمكاسب رخيصة بحجة أن لفيلم العيد مواصفات خاصة به نستطيع أن نلخصها بـ: هكذا يريد الجمهور.
لكن العيد في حقيقته ليس زينات، وأضواء، وحلوى تُصنع خصيصاً لأيامه، وطعام، وشراب، ولا هو مظاهر أفراح، واحتفال فقط بل هو موسم للتراحم، والتعاون بين الناس، وإدخال الفرحة إلى النفوس.. وبهجته لا تقتصر على الصغار بثياب جديدة يلبسونها، وببعض النقود يتلقونها ليشتروا بها ما يرغبون به، أو يدخرونها، أو هدايا صغيرة يتبادلونها.. وإنما هو بهجة للكبار أيضاً عندما ينضم شمل العائلة الكبيرة في فسحة للألفة، والفرح، والتواصل الإنساني المباشر بعيداً عن الوسائل الحديثة التي فرَّقت أكثر مما قرَّبت، فمزقت الصلات بين الأهل والأصدقاء.
وعبارة من أربع كلمات يُختصر فيها الرجاء بأن يكون كل أحد بخير في كل عام يتبادلها الناس فيما بينهم لابد أنها ستعمر القلوب بالمحبة، وبالمودة وهم يتبادلونها بالرد الجميل، لتؤكد بالتالي أننا مازلنا بخير مادامت الصلات بأشكالها من أسروية، واجتماعية قائمة بيننا.. فهذه هي عاداتنا، وهي أخلاقنا، وقيمنا الدينية، والروابط التي تجمع بيننا، وهذا ما نحرص على أن نبقي عليه ونحن ندع أبواب بيوتنا مشرعة بالصفاء لكل قريب، وجار، وصديق ليسود الوئام بيننا على الدوام.
والأضحية كأهم باب يدخل منه عيد سمي بالأضحى كرمز للتضحية والفداء لا تقتصر على تحقيق هذه السنَّة المؤكدة، وتعظيم هذه الشعيرة من شعائر الدين بل إنها تستوجب معها أيضاً ليس التضحية بالمال فقط بل بالوقت أيضاً في هذه الأيام المباركة، والمواقيت المقدسة التي يحج بها الناس إلى بيت الله الحرام، ليجد المرء لنفسه وقتاً لمراجعة الذات، وتجديد عهد الإيمان مع الله، وتصحيح مسار الطريق اليه، وكأنه يشارك عن بعد تجربة أولئك الحجاج الروحية في التجرد من المادة، والتحرر من مظاهرها، والعودة إلى الفطرة السليمة في حسن التعامل مع الآخر، وتعزيز أخلاق الدين حتى لا يغيب المعنى العميق للعيد، ويتردد الصدى في نزهات، ومصايف، وأسفار للترفيه والسرور كتقليد تم الاعتياد عليه، بينما المقصد من الجوهر هو اغتنام موسم تزدهر فيه قيم الألفة، والتوادد، وصلة الأرحام، وحسن التعامل مع الجوار، والعطف على ذلك الآخر الذي قست عليه ظروف حياته حتى في لقمة عيشه، والتراحم بين أبناء الأسرة الصغيرة في البيت الواحد، والأخرى الكبيرة على امتداد المجتمع الواحد.
وقد يأتي العيد أيضاً من باب الأحزان ونحن نتذكر مَنْ رحلوا عنا، والغصة تملأ الصدور، لنزورهم في المرقد الأخير ناثرين الدمع من العيون، وحاملين معنا غصناً أخضر نزرعه على قبر عزيز غادرنا، أو صديق فارقنا، أو شهيد ضحى لأجلنا.
إلا أن قنديل العيد الذي يلتمع بالنور، والنقاء، يظل مقاوماً للانطفاء مادام المعنى يتحقق، والمقصد لا يتبدل على الدوام، وهو يتجدد كل عام، لينبض بهجة، وأملاً، وفرحاً في القلوب مهما تغيرت الأحوال، وتقلّبت الأقدار، أو ضاقت سبل العيش وهي تنوء بثقل الأعباء.