ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
تستمر المنظمة الدولية في غيبوبتها ويسترسل مجلس الأمن عبر بعض دوله دائمة العضوية في محاكاة مناخ الهيمنة، متجاهلة ما شهده في السنوات الثلاث الأخيرة من محاولات خروج من عنق زجاجة الكهف الغربي،
فتمعن تلك القوى في التسلط على أجنداته التقليدية والمستجدة وتحاول أن تستحوذ على مختلف منافذه، تعطيلاً أو تحريفاً.
وتحولت محاضر اجتماعاته والكثير من التقارير المدرجة على جدول أعماله إلى محاولات استئثار تتجاوز ميثاقه وتقاليد العمل المتداولة فيه عرفاً وقانوناً، وانتقلت الأمانة العامة للأمم المتحدة من منظمة مسلوبة الإرادة إلى منصة استهداف تبارى نواطير النفاق في الاستيلاء على منابرها.
قد لا تحمل هذه الممارسات ما هو خارج المألوف لو أن الأمر جرى قبل بضع سنين بحكم التسليم العالمي وشبه الدولي على أن المنظمة والمجلس تحديداً محكوم بنفوذ القوى الغربية ويتم تسييره وفق أجنداتها وكان وسيلة لتنفيذ ما تعجز عنه بالهيمنة المباشرة المنفردة أو الجماعية.
لكن في سياق التبدلات الحاصلة في المشهد الدولي وبعد ثلاثية مزدوجة من الفيتو الروسي الصيني افترضت القراءة الأولية أن يتخلص المجلس من ربق الهيمنة الغربية، بعد صعود واضح للدور الروسي ومعه الصيني ومؤشرات أفول التفرّد الأميركي بالعالم.
لم يكن أحد بوارد انتظار حصول انقلاب في دور مجلس الأمن والمنظمة الدولية، ولا أن تنتهي حالة الاستلاب التي تمارسها القوى الغربية بين ليلة وضحاها، ولم يكن ممكناً التعويل على ذلك تحت أي عنوان، غير أنه في الوقت ذاته لم يكن منتظراً أن تواصل القوى الغربية دورها في حراسة الكذب، وأن يحتفظ بعض المسؤولين الأممين بمهمتهم كنواطير للنفاق يسخرون المجلس كمنبر للانتقام السياسي، ويستغلون المرحلة الانتقالية في المشهد الدولي لتكون قاعدة قصف تهدد السلم والأمن العالميين، بعد أن تفرّغت بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لتبنّي الإرهاب والدفاع عن الدول الداعمة له، وأن تتحوّل في بعض الأحيان إلى شريكة كاملة الصلاحيات في إدارة الإرهاب الدولي على نطاق العالم وليس في المنطقة فحسب.
وذهبت أبعد من ذلك حين عمّمت الحالة على منظمات الأمم المتحدة وباتت جزءاً من حملة حماية الإرهاب حين لم تكتف بالرؤية بعين واحدة عوراء، بل تجنّد انتقائيتها لتكون وسيلة إضافية لإغراق المنظمة الدولية في مستنقع التورط بدعم الإرهاب، وأن تصبح جزءاً من حملة النفاق الغربي، وقاعدة قصف مبكر لأي محاولة يستشف منها الرغبة في الخروج من كهوف الهيمنة الغربية.
وعليه ظهرت فرنسا وبريطانيا بدور أكثر افتضاحاً من الشريك الأميركي، الذي انشغل بالمجابهة على الجبهات الخارجية بعيداً عن أروقة المنظمة الدولية، وأوكل لهما مهمة الأدوار القذرة داخل المنظمة وخارجها، وأن الفرصة المتاحة ستكون الأخيرة قبل أن تضطر إلى العودة إلى المقاعد الخلفية المنسية.
فسادت عقلية التفرّد والهيمنة واستطالت سياسة تجيير المنظمة، لتكون منصة للقصف السياسي والعدوان والهيمنة، وتعاملت بكثير من العنجهية الاستعمارية وبلغة الأطماع البائدة لتعويض الفشل وتراجع دورها على المسرح العالمي، في محاولة لسد الفراغ الناتج عن انشغال السيد الأميركي بمعالجة تقرّحات انكفائه وعجزه عن الاستمرار في التفرّد بقيادة العالم، واستغلت ما هو متاح لتكشف عن وجه كالح وعن رؤية بغيضة موغلة في أطماعها وحقدها، وعن صورة من التوحش في رعاية الإرهاب وحماية داعميه ومموّليه.
وهذا انسحب على الكثير من الموظفين الأممين الموكلين بتنفيذ سياسة الهيمنة الغربية بتعدد مستوياتهم، وبعضهم لا يزال يلوك المفردات المستوردة خصيصاً من عهد الهيمنة وسطوة الغرب في تجيير التقارير الأممية لتكون هي الأخرى في خدمة المشاريع الغربية وأطماعه في العالم.
ما هو واضح أن الغرب لا يريد أن يصدق أن هناك أفولاً لعصر التفرّد بالقرار الدولي وحيثياته، ولا يريد أن يأخذ بالمعطيات التي تؤكد أن ما قبل الحدث السوري غير ما بعده، وما كان صالحاً للاستخدام بات من غير المقبول النقاش فيه، وأن تقارير حراس الكذب المعلّبة وأدوار نواطير النفاق المصنّعة فَقَدَت جدواها وانتهت وظيفتها.
فالمكابرة والمحاولات المستميتة لتأخير عقارب الزمن لن تنفع، حيث الساعة السورية ضبطت الإيقاع العالمي وأيقظت داخله عقارب التحوّل، واستحقاقاتها تحدّد ما هو صالح للتداول وتلفظ ما بات من الماضي، سواء استماتت السيدة أموس وغيرها في اجترار التقارير والنفاق على هوامشها أم استزاد كي مون من الاستغراق في غيبوبته داخل كهف الهيمنة الغربية.
a.ka667@yahoo.com