الكتابة أن نبدع لغة غريبة..!

الملحق الثقافي- مها محفوض محمد:

عندما ازدهرت الرواية ازدهرت اللغة، وحين يموت الشعر تموت أيضاً اللغة، ما من ظاهرة يكتب عنها المبدعون إلا وتحمل للغة المزيد من الألق، فكيف بما نراه الآن من ظاهرة التواصل الاجتماعي التي تحمل للغة الكثير من العنت, ومن الجمال أيضاً لن نقف عندها لكننا سوف نذكر كيف تعمل ورشات العمل الإبداعي في الرواية واللغة، وصفحات التواصل هي ورشات مفتوحة للعمل ليلاً نهاراً.
فمن المعروف أن معظم جامعات العالم المتحضر تعمل على إعداد برامج تؤهل لمهنة الكتابة والخلق الأدبي.
في فرنسا مثلاً هناك ورشات كتابة تقترح على نخب في التعليم الخاص التعليم أو التدريب على فن الرواية لكن ما يسمى ب(جمهورية الآداب) لا تعترف بهذا البرنامج التعليمي.
في الواقع هناك مفهومان متجابهان حول الكتابة..هل الكتابة هي موهبة إلهية أم هي مهارة يمكن لأي شخص أن يتعلمها ?وهل يستطيع أي منا أن يصبح كاتباًَ ?..
حول هذا السؤال تختلف الآراء بين أهل القلم وتتباعد فمنهم من يشدد على البعد المهني لفن الكتابة ومنهم من يرفع شعار الموهبة.. ويحتدم الجدل بين أصحاب الرؤية الارستقراطية للفنان الموروثة من الرومانسية وبين المدافعين عما يعتبرونه مفهوماً ديمقراطياً لرؤية الكاتب المعتبر صاحب مهنة كأي حرفي آخر.. ولكل طرف في الخلاف آراء تدعم نقاشه الأدبي فمثلاً الكاتب والناقد فيليب سولير يؤكد أن ( الكاتب يولد في مهده كاتباً) ويعتبر أن تسمية الورشة هي بالأساس تسمية مشبوهة, بينما يدحض رأيه كتاب من الطرف الآخر بالقول إن (كل منا يحمل في اعماقه كتاباً) والكتابة هي قبل كل شيء برهان لقدرتنا على تفجير ( المنجم الكامن فينا).. ويؤكد القائمون على ورشات الكتابة هذه أن كل فرد لديه أسلوبه الخاص به وإن انكب على العمل بضعة أشهر فهو يستطيع أن يحول هذا الأسلوب الكامن إلى واقع ملموس.. أما الجامعيون الذين يأسفون على ضعف هذا التيار في الإنتاج الأدبي يدعون إلى منع هؤلاء الناس من الكتابة ويؤكد أحد المدافعين عنهم بأنه قد نستطيع الكتابة لكن الحكم في ذلك يعود إلى الجمهور وللناشرين, فالكاتب الحق هو الذي يشد الناس إلى قراءة ما يكتب.. وتقول كلير دولانوا من باناما بأنه قد نستطيع أن نعطي بضعة مفاتيح للمؤلف, لكن إن لم يكن لديه مفتاحه الخاص به فإن ذلك لا ينفعه بشيء.
وتتضافر مع هذا النقاش الدعوة لتعلم لغة الكتابة وذلك بتعلم قواعدها أولاً ثم استخداماتها, وهناك من يدعو بكل جدية إلى العمل لإيجاد معاهد للكتابة على غرار المعاهد الفنية التي يدرس فيها الموسيقا أو الرقص, وآخرون يدعون الى تدريس القراءة فهي الوسيلة الأفضل لتنمية الفكر الكتابي ويندهش البعض لقول فريق آخر بأننا نكتب لكن ليس لدينا وقت للكتابة.
استاذة من جامعة السوربون تقول: إنه في مهنة الكتابة يجب علينا قبل كل شيء أن نمر عبر الآخرين وتذكرنا بأن الفنان المشهور ماتيس أشاد يوماً بأستاذه غوستاف مورو الذي كان يقود طلابه إلى متحف اللوفر كي يقلدوا لوحات الكبار من أجل أن يتعلموا الرسم لكن للتقليد حدود يجب الوقوف عندها.
الكتابة قبل كل شيء هي أن نبتدع لغة غريبة من خلال اللغة الأم لغة خاصة بنا لم يكتبها أحد من قبل رغم أنه لا يوجد كاتب جيد إلا وتشده قريحة كتاب آخرين.
وليم فولكنير انصرف في مرحلة شبابه عدة اشهر الى تحليل الأعمال الأدبية الكبرى لكنه وجد أن لا جدوى كبيرة من ذلك فتوقف عن القراءة واهتم بتحليل نصوصه كي يبتدع أسلوباً خاصاً به يقول: لكي تكتب عليك أن تقرأ ويضيف: ولكي تستطيع القراءة عليك ان تعلم كيف تعيش لأن القراءة} ليست في الكتب فقط بل على الكاتب أن يفك رموز العالم وان يدخل إليه بجميع حواسه بما فيهم الحاسة السادسة.
ويبقى أن نسأل ماذا يفعلون في هذه الورشات, يقول جون ايفرينك الذي انتسب إلى هذه الورشات فترة زمنية : إنها ساعدته على اكتشاف نفسه مبكراً, كما ان الورشة تساعد الكتاب الشباب على معرفة قراءة نصوصهم بالذات من أجل تصحيحها ولو اتبع بروست دورة في هذه الورشات لعمل على تقصير جمله.
بالنتيجة نستطيع القول إن الفردية تسيطر على عالم الأدب في فرنسا ولم يكن الأمر كذلك من قبل فقد كانت هناك الصالونات الأدبية والجمعيات الموسوعية التي عرفت باسم البلياد حتى مع نشوء التيارات السريالية التي كان لها تجمعاتها, وكان كل تيار إما أن يستوحي من الجيل الذي سبقه أو أن يهاجمه.
على أن الانسجام بين ورشات الكتابة والثقافة يتباين من بلد لآخر-فمع الثقافة الفرنسية لم يحصل هذا الانسجام كما حصل مع ثقافة أميركا الشمالية-لكن شكل من أشكال المصاحبة بين الكاتب المحترف والكاتب الناشىء لا بد منه لتجديد الإبداع..
فالمحترف يستطيع على الأقل ومن موقعه المتقدم أن يخبر الناشىء ما الذي فعله حتى وصل إلى هذا الموقع .

العدد 1106 – 9- 8-2022

آخر الأخبار
دير الزور.. منظمات مانحة تدعم تنفيذ مشاريع المياه خطوط الصرف الصحي خارج الخدمة في الحسينية.. والبلدية تعمل على الحل انتقادات مصرية لمطالبات ترامب بشأن قناة السويس الفاعل مجهول.. تكرار سرقة مراكز تحويل الكهرباء في "عرطوز والفضل" Shafaq News : مؤتمر للأكراد لصياغة موقف موحد لمستقبل سوري دمشق وبغداد.. نحو مبدأ "علاقة إستراتيجية جديدة" "الأونروا": نفاد إمدادات الطحين من غزة الاحتلال يقتل 15 صحفياً فلسطينياً بأقل من 4 أشهر درعا: مناقشة خطط زراعة البطاطا في المحافظة خطة لدعم التجارة الخارجية وإرساء اقتصاد السوق الحر في ظلّ تداولات وهمية.. سعيد لـ"الثورة": وضع إطار تشريعي للتعامل بـ"الفوركس" الفنادق التراثية.. تجربة مشوقة للإقامة داخل المدن القديمة "مياه دمشق وريفها" تقرع جرس الإنذار وترفع حالة الطوارئ "طرطوس" 20 بالمئة إسطوانات الغاز التالفة "نيويورك تايمز" ترجح أن يكون "وقود صاروخي" سبب الانفجار في ميناء إيراني تطوير خدمات بلديات قرى بانياس وصافيتا "صحة درعا".. أكثر من 293 ألف خدمة خلال الربع الأول هل تُواجه إيران مصير أوكرانيا؟ نمذجة معلومات البناء(BIM) في عمليات إعادة إعمار سوريا "رؤية حوران 2040".. حوار الواقع والرؤية والتحديات