الملحق الثقافي – علم عبد اللطيف:
كثيرة هي الكتب التي قرأناها وتأثّرنا بها وبقيت في ذاكرتنا..لكن الحديث عن كتاب يتوجه للآخرين.يجب ان يتصل بجوانب مهمة لدى الجميع. وليس الوقع الشخصي فقط للكتاب لدينا..جوانب تتعلق اولا بالمعرفة وتاليا بالمنهجية. واخيرا بجدّة الموضوع وجديته..
كلنا قرأنا كتبا تاريخية..وكتبا عن التاريخ..وهنا يتوجب التفريق بين كتب التاريخ الكلاسيكية.وبين كتابة التاريخ المستجدة.وفق منهجية انتروبولوجية .
في كتاب(تاريخ التأريخ ..مدارس.مناهج)..للدكتور وجيه كوثراني
الصادر سنة ٢٠١٢
يبحث في فكرة المعرفة التاريخيّة في ضوء طرائق التّفكير العلميّ، وفي إشكاليّة وصف التّاريخ بـِ «العلم». والكتاب رصدٌ تأريخيّ لفكرة التّاريخ والكتابة التاريخيّة عند العرب، وكيف تطوّرت منذ طريقة الإسناد في رواية الحديث ونقل الخبر في السِّير والتّراجم والمغازي إلى اعتماد مناهج البحث الأكاديميّة الحديثة. وكانت نواة هذا الكتاب صدرت، أوّل مرّة، في سنة 2001 في صورة كتيّب بعنوان «التّأريخ ومدارسه في الغرب وعند العرب»، غير أنّ هذا الكتاب يُعدّ جديدًا تمامًا، ومتكاملًا، فهو يجول في المدارس التاريخيّة الغربيّة كالمدرسة الوثائقيّة والمنهجيّة التي انبثقت من المدرسة الوضعانيّة، والمدرسة الماركسيّة، ومدرسة الحوليّات الفرنسيّة.
اهمية الكتاب من وجهة نظري..انه يحاول اعادة عملية التأريخ الى نصابها وفق تطور المعرفة البشرية وارتباطها بالتاريخ.
في كتب التواريخ المعروفة..لا يمكن العثور على تحليل وفهم تاريخي..لان هذه المنهجية لم تكن قد تمأسست بعد.
وفي إعمال هذه المنهجية.عرفنا بعض الكتب النادرة.التي اشتغلت على إعادة تأريخ التاريخ..او اعادة الاعتبار لأحداث التاريخ وشخصياته وفق هذه المنهجية.
كتاب د(حسين قاسم العزيز)..(البابكية). وهو رسالة نال بموجبها الدكتوراه من السوربون. يعيد قراءة سيرة (بابك الخرمي)..الثائر الفلاحي الايراني.الذي قاد حركة احتجاج ومواجهة عسكرية طويلة وواسعة بمواجهة ولاة الدولة العباسية في بلاد فارس..ردا على استبدادهم وظلمهم.
ويتتبع الكتاب بداية تمرد بابك..ثم توسع حركته وانشاء جيش من الفلاحين. شكل ثورة فعلية على الخلافة في بغداد.استمرت عقودا قبل ان يستطيع الخليفة المأمون كسر جيش بابك واسره وقتله.
يذكر (المسعودي) في (مروج الذهب).. ان (الافشين) قائد جيش الخلافة.الذي انتصر على بابك..وجد في خيمته اصناما كان بابك يتعبدها.
هنا يبدو الفرق بين كتب التاريخ القديمة. وهي حقيقة كتب تاريخ الحكام والسلاطين..وبين كتب تكون الشعوب هي مادتها ورافعة البحث فيها.
قرأنا قبل كتاب البابكية..كتاب (ابنة الآمر) ل(بوشكين)..يتحدث عن ذات الموضوع..انما في رواية تتناول سيرة (بوغاتشيف) الثائر الروسي الفلاحي بمواجهة ظلم القيصر..وقرأنا ايضا حكايا النورس المهاجر..ل الروائي السوري حيدر حيدر..عن سيرة بو علي شاهين. الثائر الفلاحي على الاقطاع وعلى الوصاية الفرنسية في سوريا في النصف الاول من القرن العشرين..لكن كلا من ابنة الآمر..وحكايا النورس المهاجر..هما روايتان..يفعل الخيال فيهما فعله في سيرة حقيقية..لهذا يبقى كتاب البابكية هو الاهم لجهة تقريريته ودقته تاريخيا. ولجهة جديته في اعادة الاعتبار لشخصية من التاريخ كانت كتب التواريخ قد شيطنتها وفق طريقتها في الحديث عن تاريخ السلاطين والحكام فقط.
كتاب (تأريخ التاريخ)..هو من اهم الكتب التي قرأتها طيلة حياتي.
العدد 1106 – 9- 8-2022