أسرار يتضوع عطرها في عوالم النفس والروح

الملحق الثقافي – فاتن دعبول:

ربما يجمع جميع من يعتمدون الكتاب رفيقاً وأنيساً وخيرجليس، بأن القراءة تفتح آفاقاً جديدة وعالماً من المعرفة والاطلاع على فنون الآداب والعلوم كافة وعلى اختلاف مشاربها، وما احتفاء الشعوب بنتاجاتها الأدبية والفنية إلا لأنها تمثل تراثها وحضارتها وقيمها وعاداتها، تنقلها إلى عوالم الفضاءات جميعها تنثر عبقها في أرجاء الكون جميعه، والصياد الماهر هو من يلتقط دررها ويبحر إلى أعماقها ليخرج بحصاد ثمين من الرؤى والأفكار ومن تجارب تشكّل عصارة الفكر وخبرة الشعوب.
فهل من كتاب قرأته وما زال يسكن الذاكرة وشكّل منعطفاً جديداً في حياتك، سؤال توجهنا به إلى عدد من الكتّاب، فجاءت الإجابات على النحو التالي:
د. عبد الفتاح محمد: علامة فارقة
توقف الأستاذ الدكتور عبد الفتاح محمد عند ديوان للشاعر محمد عدنان قيطاز الذي صدر في العام 2019، أي قبل رحيل الشاعر بثلاث سنوات، وقد قرأ الديوان وترك في نفسه بعض الانطباعات ومنها أن الشعر في المجموعة هو نشيد شباب وأهزوجة وطن، ووشيجة قربى ودعوة للظامئين، وهو ألحان شجية وعطور عبقرية.
والشاعر في تجربته نفس شاعرة، متسامية، صادقة الرثاء، صامتة الدعاء، موسومة بجرح الإباء، نفس متوقدة بلهب أخضر، معذبة القلب، تكبر في الشعر سلافه وعبيره وقيثارته وشراعه ويراعه، وتمجد في الإنسان إبداعه وكرمه وكفاحه وإنسانيته، نفس ترى في الحبّ كأساً وسلافاً وهوى ومنى، وتجد في الصداقة مهوى ومأوى، وتتحسس بأهداب العين ونبض القلب وشفيف الرؤى، جماليات الأمكنة.
في ديوان» مقامات أبي فراس الحموي» يرى أن الشاعر جعل قصائده تنضوي تحت مقامات سبعة وكلّ مقام يعبّرعن مشاعر معينة، ومنها» مقام الهدى، مقام الشجن، مقام الورد، مقام الأرجوان، مقام الحمد، مقام المودة، ومقام المسرة».
أما القيم الأدائية التي تركت أثرها في نفس كاتبنا وتوقف عندها فهي: التلوين في الأداء الغنائية، الدرامية .. كما سادت في ديوانه القصيدة العمودية، وتحمل قصائد كثيرة من هذه المجموعات مشاعر الألم والمرارة والانكسار والشقاء التي يجمعها نموذج المعذب، ما يشير إلى أن الأدب أقدر على تصوير الشقاء الإنساني منه إلى تصوير السعادة والهناءة.
وكان للغزل في هذه المجموعة ميدان واسع وكانت المرأة فيه مباهج ومدارج ومعارج، ما يؤكد أن المرأة كانت وما زالت ملهمة تجد القصائد فيها ومعها مهوى ومأوى ومنى وندى.
ويبين د. عبد الفتاح محمد أن من الجميل أن يكون لأدب الطفولة في نتاج المعاصرين نصيب، فالعناية بأدب الأطفال إبداعاً ونقداً ونشراً وإخراجاً، حاجة.
وثمة علامات فارقة في تجربة الشاعر قيطاز منها، غنى في معجمه الشعري، وبناء معمارية القصيدة على قدر مميز في الأداء.
ويختم بالقول: إن للشعر منزلة في نفوسنا وفي ذاكرتنا، وهذا يؤكد أن الشعر كان و لايزال وسيبقى ديوان العرب.
وليد سراقبي: محاولات لطمس الهوية العربية
ويعرض الأستاذ الدكتور وليد سراقبي، جامعة حماه، كلية الآداب، لكتاب» عناصر يونانية في الفكر اللغوي العربي» وهو واحد من الكتب التي أنتجها الاستشراق الهولندي، للكاتب» كيس فرستيخ» ترجمة د. محمود علي كناكري، ويتوقف عند أهم الأفكار التي يطرحها ومنها أن الكتاب يسعى برمته لتأكيد فرضية اقتراض النحو العربي من النحو والفلسفة والمنطق اليونانيين، بل إنه يتعدى حدود المعقول والمنطق، فيجعل كلّ ما في النحو العربي يونانياً، بدءاً من الأصول ومروراً بالمناهج والمصطلحات وانتهاء بالأمثلة التوضيحية.
ويبين سراقبي أن» كيس» لم يكن إلا مجرد ناعق في بوق سابقيه من المستشرقين أمثال» رينان» الذي كان يرى غرابة في أن ينبت في البيئة العربية الإسلامية أي علم من العلوم، لأن الإسلام عنده دين عربي يحمل كلّ ملامح القصور التي تتسم بها العقلية السامية، وقد قامت نظريته على أساس عرقي فغدت جزءاً من تفكير الرجل الغربي.
ويضيف: إن دراسة التأثير اليوناني في النحو العربي ينبغي فيها أن نفرق بين مرحلتين، الأولى: مرحلة كتاب سيبويه الذي حاول» كيس» فيها وعبر الفصول الأربعة الأولى من كتابه، أن يدلل على تأثر النحو العربي في هذه المرحلة بالفكر المنطقي.
والمرحلة الثانية: مرحلة الفكر النحوي العربي في القرن الرابع الهجري وقد ظهرت فيها ملامح التأثر والتأثير الإيجابيين بالمنطق اليوناني والثقافة اليونانية، متمثلين بعدد من أعلام الفكر النحوي اليوناني.
ويبين أن منهج الكتاب وفكره يتسم بالصفات التالية» التعميم، الاضطراب المصطلحي، المغالطات التاريخية، اللغة المراوغة، المنهج الظني، ولكن زاد الكتاب ضغثاً على إبالة تلك الترجمة الشوهاء التي زادت في عوار النقل والترجمة.
ويخلص د. سراقبي إلى جملة من النتائج أهمها أن» كيس فرستيخ» هو امتداد للرؤى الاستشراقية الهادفة إلى مسخ الشخصية العربية وللأصالة العربي.
كما بين استقلال النحو العربي عن غيره من الأنحاء كالنحو السرياني والنحو اليوناني لاستقلالية العقلية العربية، وأن الاختلاف بين المصطلحات في نحونا العربي وتعددها بتعدد المدارس النحوية من بصرية وكوفية وبين مصطلحات النحوين السرياني واليوناني دليل على تهافت الفكرة القائلة بتأثره بهما.
وأكد بدوره أن المؤلف ينطلق من منظومة الاستشراق التي تهدف إلى وصم العقل العربي بالتخاذل والعجز والتخلف، وتجريد العرب والمسلمين من أي مقومات للعطاء الحضاري على مرّ السنين، هذا إلى جانب عجز المؤلف كأغلب المستشرقين عن اصطناع موقف علمي محايد يعترف بالآخر ويقرّ له بإسهامه الحضاري، على الرغم من محاولته اصطناع لغة مراوغة وعبارات تتلفع بالموضوعية.
ولفت سراقبي إلى دور المؤلف في العمل على تطويع العقل العربي لقبول معطيات العقل الغربي وتجريده من أصوله وإرثه الثقافي وتأكيد عجزه عن الإبداع.
ويختم بالقول: لسنا ننكر التلاقح بين الحضارات الإنسانية عامة، ولكن نرفض الافتئات على معطيات الحضارات الأخرى من منطلق منظومة إيديولوجية ترفض الآخر، وتصوره عاجزاً عن تغذية شجرة الحضارة الإنسانية بما يسهم في نموها وازدهارها بكلّ ما هو نافع من فكر وعلم وفن.
-محمد حديفي: نبض الحب والانتماء للوطن
وفي مقدّمة بدأ بها الأديب محمد حديفي يقول:» تبدأ الحياة على شبر من الأرض وتنتهي فوق شبر منها، وبين هذا وذاك تكون الرحلة التي هلل بعضهم لها بينما اعتبرها بعضهم الآخر رحلة من الشقاء والعذاب كما فعل الفيلسوف» شوبنهور» الذي قال:» إن رحلة الإنسان في هذا الكون ملل بين تثاؤبين، الأول: حين يبصر الإنسان النور، والثاني: حين يسلم الروح، ويضيف: ما حياة الإنسان على الكوكب إلا رحلة العذاب، ويحاول المرء إطالة حياته بكلّ حفنة من ماء يرتشفها، وجرعة من هواء يستنشقها ولكنّه كمن ينفخ في فقاعة من الصابون، تكبر وتكبر ومصيرها إلى الزوال».
وبين حديفي أنه ساق هذه المقدّمة وفي ذهنه كتاب قرأه منذ زمن بعيد وما زال يعود إليه لقراءته من جديد كلما اسودّت الحياة وثقلت الأعباء على كاهله وهو كتاب» داغستان بادي» لرسول حمزاتوف ذلك الشاعر الروسي الداغستاني الذي حمل عشق بلاده وترابها بين ضلوعه ليتغنى بها حيثما حلّ وحيثما ارتحل.
يقول حديفي: ترجم الكتاب إلى اللغة العربية الأديب الكبير والشاعر المتميز» عبد المعين الملوحي» -يرحمه الله -وقد أعيدت طباعة الكتاب لمرات عديدة، وأصبح في فترة ما حديث الساعة في الأوساط الأدبية والثقافية، وعلى الرغم من قدّم صدور الكتاب وقراءاتي له مرات عدة إلا أنني أعود إليه بين فترة وأخرى لأستزيد منه ثباتاً ورباطة جأش وأستذكر ماذا تعنيه الأرض وترابها لكلّ منتم أصيل.
يقع الكتاب في 452 صفحة من القطع المتوسط، وقد ساهم بترجمته إلى جانب الملوحي يوسف حلاق، وكانا كأديبين متميزين من أفضل من يمكن أن يتفهم أفكار حمزاتوف ونقل القارىء إلى ديار حمزاتوف بسهولها وجبالها وعنفوان أهلها واستعدادهم للتضحية بكلّ غال ونفيس لحمايتها والذود عنها حيث حب الأرض والتفاني لأجلها، طقوس موروثة مع الجينات.
في هذا الكتاب نجد الحكمة، فالمؤلف يتحدث مثلا عن فضيلة الصمت وفن الاستماع للآخر وما يقوله هذا الآخر، وفي مكان ما من الكتاب يقول حمزاتوف:» لقد تعلمت فن الكلام خلال عامين من طفولتي، ولكنني سلخت من عمري ستين عاماً حتى تعلمت الصمت والاستماع».
وفي مكان آخر يورد المؤلف حكاية عن عجوز شتّامة من داغستان، فيقوم بزيارتها ليأخذ ألفاظا منها يضمنها قصيدته، فتصبح القصيدة على الشكل التالي:
ليجف لسانك، ولتنس اسم حبيبتك، وليفهم الإنسان الذي تقصده كلامك على غير معناه، ولتنس إلقاء التحية على قريتك حين تعود إليها من تطواف بعيد، ولتصفر الريح في فمك حين تسقط أسنانك، يا ابن آوى، هل أستطيع أن أضحك» وليحرمك الله هذه النعمة» حين أكون مغمومة؟ إلى آخر القصيدة.
وبعد .. هذا غيض من فيض مما في الكتاب، لذلك أجدني وقد قرأته لمرات عدة، وأعود إليه بين الفينة والفينة لأنهل وأستزيد، مع ملاحظة أنه يلزمني فسحة كبيرة جداً لأورد ما في الكتاب من درر.
سها جودت: تسكن النفس لتفيض مشاعر تشبهنا
كتاب في الذاكرة، وأي ذاكرة تلك التي تحمل على أتون دهشتها وانكسارها وانتصارها وحزنها وفرحها صوراً مكتظة بشتى أنواع الحالات بين القديم في مرحلة الفتوة والشباب وبين الحديث في فترة حرب عشوائية بغضاء نكراء حملت على وجوه الحياة صوراً مقيتة لا يمكن نسيانها.
بهذه الكلمات قدمت الأديبة سهى جودت مداخلتها لتقول: في هذا الصدد تعود بي الذاكرة إلى كتاب وصلني كهدية من صاحبه المرحوم فاضل السباعي الذي ربطتني به صداقة متينة، وأنا أقرأ في الكتاب، بدأت أتدحرج على إسفلت الذكريات كأني أنا تلك الشابة التي كانت تستعير الكتب من المكتبة، فبكيت، بكيت لأن كوثر كانت أنا، كانت حكايتها تشبه حكايتي، وتابعت القراءة حتى انتهيت وأنا أشهق، فكتبت له على الفور رسالة قلت فيها» كوثرك يا أستاذ هي أنا بكلّ ما جاء فيها من طقوس في المعاناة والتحدي».
«ثم أزهر الحزن»، كان عنوان الرواية التي تحولت إلى مسلسل كان بعنوان» للبيوت أسرار»، ولكن ثمة فرق بين ما تقرأ وبين ما شخصته شاشة التلفاز من خلال حلقاتها، يلي تلك الرواية» رواية الشيخ والبحر» التي علمتنا أنه لابدّ من الاستمرار، لابدّ من الجهاد، لابدّ من بذل المزيد من القوة لنصل إلى الأمان، ورواية» وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر بنسختها القديمة الأصلية التي أخذت عليها مآخذ عديدة من بينها اللغة المبتذلة، لغة الشارع، وبعض الصور الفاضحة لفلة بو عناب رفيقة المناضلة جميلة بوحيرد.
أهم ما يميز الكتب التي تقع بين أيدينا هو ما تحفظه تلك الذاكرة وتخزنه، السبب خلق بيئة حاضنة للأثر النفسي، الفني، الاجتماعي، السلوكي، الذهني .. هذا ما فاضت به ذاكرتي.

العدد 1106 – 9- 8-2022

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة