الثورة – فاتن أحمد دعبول:
كثيراً ما تطرق الباحثون في الشأن الثقافي إلى موضوع الغزو الذي تتعرض له ثقافتنا في مناحيها كافة، ومحاولة الآخر أن يشوه هويتنا ويخترق موروثنا الثقافي بكل ما يحمل من قيم وعادات وتراث عريق، وهذا ما اتضح في الحرب الظالمة التي شنت على بلادنا، ولكن الأخطر في الأمر، هو غزو لغتنا العربية التي تشكل واحدة من مقومات هويتنا ووجودنا.
وفي الندوة التي احتضنها مركز ثقافي” أبو رمانة” وهي ضمن سلسلة ندوات الغزو الثقافي، بإدارة محمد خالد الخضر، توقف المشاركون عند الغزو الثقافي واللغة العربية نموذجاً.
تكريس الوعي الثقافي
وبين الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب بأن هذا المصطلح ليس جديداً ولكنه يحمل من الأهمية ما يجعل طرحه من جديد أمراً حتمياً، لأنه من أهم المشكلات التي تعترض حياتنا الثقافية والاجتماعية والإعلامية.
وقال: ربما يعود مصطلح الغزو الثقافي إلى النصف الثاني من القرن المنصرم، وهو مصطلح قديم وجد مع ظهور بعض الامبراطوريات كالإمبراطورية الرومانية، وهو أحد أهم أدوات الاستعمار لفرض ثقافته ولغته وعاداته وتقاليده، يدفع إلى ذلك القومية والاستعلاء وأفضلية ثقافته على غيرها من الثقافات، ومحاولة القضاء على لغة وثقافة وفكر الآخر.
وأضاف: ربما يربط البعض الغزو الثقافي بالتدخل العسكري، ولكن الحقيقة تخالف هذا الرأي، لأن الغزو الثقافي يحدث من خلال الإعلام والاقتصاد والتعليم والثقافة والعادات والتقاليد تحت ذريعة تطوير وتحديث الشعوب التي يراد غزوها، وهذا قد يؤدي إلى إهمال اللغة العربية والاستخفاف بها بحجة عجزها عن مواكبتها ومجاراتها للواقع وتطوراته.
ومن جهة أخرى فإن الغزو الثقافي من شأنه أن يؤثر على التنوع الثقافي في المجتمع، وتحويل الأمة المخترقة إلى أمة تابعة، ومن ثم السيطرة عليها دون أي خسائر تذكر.
ويتوجه بدوره إلى أهم العوامل التي تساهم في التصدي للغزو الثقافي، وأهمها تعزيز ثقافة الوعي المجتمعي من خلال تعزيز الثقافة الوطنية والاهتمام بالقراءة والتشجيع على إقامة المسابقات في هذا المجال، والعمل أيضاً على الاهتمام باللغة عبر الإعلام والتربية والتعليم.
ودعا رئيس اتحاد الكتاب العرب إلى التنبه من هذا الغزو الذي يهدف إلى احتلال عقول أبنائنا، وهو احتلال أخطر بكثير من احتلال الأراضي أو الحدود الجغرافية، لأنه يؤدي في النهاية إلى إلغاء شخصية الأمة وتدمير موروثها الثقافي والحضاري.
صياغة ثقافة إعلامية إنتاجية
وأكد الدكتور نبيل طعمة أهمية البحث في موضوع الغزو الثقافي وخصوصاً فيما يتعلق باللغة العربية، لأن الغزو الثقافي والفكري وبالتالي الغزو الاقتصادي من أهم سمات هيمنة الحضارة الحديثة الصناعية ضمن تخطيط مؤامراتي عالمي تلعب فيه الصهيونية العالمية الدور الحاسم في رسم الخريطة الشرق أوسطية المفككة المتنازعة المستهلكة.
وأضاف: إن الغزو الثقافي والفكري الحديث من أخطر الإشكاليات الغزوية على مر التاريخ البشري، لأنه يتمتع باستلاب حقيقي للجبهة المقاومة، بحجة غيابه عدواً مباشراً مادياً.
وأشار بدوره إلى بعض المحاور للخروج من المأزق الراهن، وأهمها التحول من بنية الاستهلاك إلى بنية الإنتاج، وتعميق الوعي الثقافي بتربية روحية وأخلاقية ووطنية منفتحة على الموروث والآخر، وصياغة ثقافة إعلامية إنتاجية تبني حركية اجتماعية اقتصادية ثقافية، متوازنة ذاتياً وموضوعياً، مع اتخاذ التراكم الحضاري الإيماني لمخزون الأمة منهجة للتكنيك والتقنية، وربما التجربة اليابانية أحد الأمثلة على ذلك.
ويعرض د. طعمة لأهم آثار الغزو الثقافي وخصوصا فيما يتعلق بتعطيل أسلوب الحياة وفقدان الاستقلالية واحترام الذات للدولة التي تتعرض للغزو، هذا إلى جانب وقوعهم في براثن الفقر والمرض، كما للغزو آثاره السلبية على التنوع الثقافي في المجتمع الواحد.
ويخلص د. طعمة إلى أن ثقافة الغرب شكلت بالنسبة للعرب والثقافة العربية الاستعلاء والتكبر، تعبيراً عن موقع الغربي، وكانت العلاقة الاستشراقية محكومة بموقعه كمستعمر، وكلما اتسعت حلقات وعي الذات القومية والوطنية إزاء الآخر الغربي، توضحت بجلاء أكبر، حدة المعاناة التي تواجهها الثقافة العربية في مواجهة التغريب، احتذاء بالغرب، أو سلباً واغتراباً عن الهوية والخصوصيات الثقافية بتأثير نفسه، منتج وسائل التغريب الضخمة.
واختتمت الندوة بمداخلات أكدت أهمية تكريس اللغة العربية وخصوصاً عند الناشئة والأطفال، وتشجيع المواطنة والانتماء عند الأجيال، وربطهم بموروثهم الثقافي والحضاري.