ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:
لم تنتظر حكومة ميركل أن يجف حبر القرار الفرنسي حتى كانت تسطر هي الأخرى قرارها الأرعن وغير المسؤول في منع السوريين المقيمين على الأراضي الألمانية من ممارسة حقهم بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية، في خطوة لا تكتفي بتسجيل سابقة غير معهودة في العرف الدبلوماسي والسياسي، بل تضيف إلى السلوك الأوروبي المزيد من العدوانية تجاه السوريين.
في السجل الأوروبي لا تبدو الخطوة خارج سياق سلوك الجيل المستجد من القادة الأوروبيين الذين يغرقون في أول مستنقع تدفعهم إليه السياسة الأميركية، وقد غرقوا مراراً وتكراراً دون أن يتعلموا الدروس، وغالباً ما نجد اندفاعة غير محسوبة، وأبعد ما تكون عن المصالح الأوروبية، بدليل أن الكم الهائل من القرارات والخطوات العدائية والعدوانية الموجهة ضد الشعب السوري لا تخدم مصالحها، ولن تحقق لها حتى أطماعها المستعرة !!
ربما.. لم تكن هناك مفاجأة يمكن التعويل عليها لتفسير اللحاق الألماني بالمهزلة الفرنسية، ولا أن تكر السبحة لتصل إلى دول أوروبية أخرى بمنع السوريين المقيمين فيها من المشاركة في الانتخابات الرئاسية، خصوصاً أن المسعى الأوروبي ليس خارج التداول السياسي المعلن والصريح، ولا هو بعيد عن أجندة الغرب في محاولة لعرقلة الانتخابات.
لكن ذلك لا يحول دون طرح الكثير من الأسئلة الحادة حول مسار الأعراف الدبلوماسية والسياسية وحتى القانونية، حين أفرطت ألمانيا وفرنسا في استخدام أدوات القمع السياسي من بوابة الديمقراطية!! حيث يكاد يخلو التاريخ من نماذج مشابهة، ولم تكن واردة في قاموسها السياسي ولا في الأفكار الصبيانية التي درجت عليها في الآونة الأخيرة.
في القراءات الواقعية منها والافتراضية وصولاً إلى الخيالية والاحتمالية، يبدو من المنطقي أن نُرجع كل الإجراءات الأوروبية إلى حالة العجز المزمن من زوايا مختلفة وكامنة في دونية هذا السلوك الذي لا يكتفي بترجمة العجز، بل يضفي عليه عنصرية سياسية منبوذة، تلاقيها على الضفة الأخرى مراهقة سياسية أقرب إلى التجريب والتخريب في الآن ذاته، لأن ما يترتب على تلك الخطوات يقيم جدراناً من العوائق والعقبات مع شعوب المنطقة، سيكون من الصعب تجاوزها في المدى المنظور.
فما سيجري في السفارات السورية هو إجراء سيادي ويتم تحت راية العلم السوري، وكل ما يجري تحت راية ذلك العلم ينبع من المصدر السيادي ذاته، والقرار فيه يعود إلى الشعب السوري، ولا يحق لأحد مهما كانت الذرائع أو الحجج أن يمنع حق التصرف السيادي.
وما يقرره السوريون في ظلال الحق السيادي لا يدخل في باب المزاج السياسي للآخرين، ولا يحق لهم أن يكونوا أوصياء على القرار السوري، وبالتالي فإن المنع هنا يصل مرتبة العدوان على الشعب السوري وحقوقه السيادية المعترف بها دولياً وقانونياً.
لا تحتاج المقاربة إلى تعليل، ولا إلى تفسير، حيث يصعب على المنطق تفسير انزياح أوروبي يحاكي عصوراً من الظلامية السياسية المقفرة التي تحاول أن تستبيح أبسط قواعد ومبادئ التعامل الدولي، بعد أن تحول القانون الدولي إلى أحجية للمبازرة السياسية والإعلامية والدبلوماسية، وبعد أن باتت حقوق الشعوب وسيادتها ساحة للاستباحة الغربية.
نستطيع الجزم بأن القرار الفرنسي والألماني وما سيليه من قرارات لن تعدل في معايير النظرة السورية، بقدر ما تضيف إلى قناعات السوريين المزيد من القرائن والأدلة على أن استحقاقهم الانتخابي يشكل خطوة تعيد ضبط الإيقاع العالمي في نهاية المطاف، وأن ما يطفو على سطح الأحداث من مواقف غربية متهورة وعدوانية يؤكد الحاجة الملحة لمواصلة الطريق الذي يسيرون عليه، وقد بدؤوا تفاعلهم مع الحملات الانتخابية بطريقة لافتة تعبر عن ثقافة حضارية ورغبة في تحصينها من أي شوائب، لتقديم رسالة للعالم بأن سورية كانت وستبقى حالة متميزة في التجربة وفي الممارسة.
a.ka667@yahoo.com